دليلك اليومي إلى الحراك السوري 

ء | الصفحة الرئيسية  | سكرتيرك الصحفي | اتصل بنا |ء

الثلاثاء 21 - 03 - 2006 

 

·    حلبٌ قَصْدُنا...

·    إهانة جديدة لسوريا وشعبها جبهة خدام بيانوني

·    خدام صديقا للشعب الكردي ...هزلت

·    الإطاحة بالنظام السوري هل أصبحت قاب قوسين أو أدنى؟ وكيف؟

·    الـقومـية الجديدة: 'القطري' أولاً

·    سورية واحدة في الداخل و الخارج

·    طائفية بغيضة

·    الصحوة الإسلامية

·    هل الديكتاتورية لاصق اجتماعي في المجتمعات؟

·    نوروزونا كل يوم

·    قراءة مختصرة للراهن السوري

·    جبهة الخلاص .... هل تصنع الخلاص؟!

·    معركة الديمقراطية في سوريا

·    ميشيل كيلو والتضامن مع سورية والحقد الذي يعمي البصيرة ..

·    فياغرا ....... ومرافقة...... ويا نيالنا

·    ثقافة القمع والتخوين

·    بين العروبة والقومية

·    بشار الأسد يغوص في وحل الرمال المتحركة .. كلما تحرك غاص أكثر

·    جبهة الخلاص الوطني ...المحطة الأخيرة في قطار التغيير

·    في السياسة الواقعية والمواقف المبدئية

·    الفساد في سوريا ظاهرة سياسية بامتياز

·    الإخوان المسلمون والمشاركة السياسية

حلبٌ قَصْدُنا...

2006/03/20 القدس العربي

صبحي حديدي

أحسنت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة صنعاً حين اختارت مدينة حلب عاصمة الثقافة الإسلامية للعام الجاري، ممثلة كامل المنطقة العربية (ولعلّ قرارها كان، كذلك، صائباً في اختيار أصفهان الإيرانية عن آسيا، وتومبوكتو من مالي عن أفريقيا). وهكذا تكون حلب ثاني مدينة عربية تحظي بهذا الموقع المشرّف، مباشرة بعد مكة المكرّمة التي كانت عاصمة العام المنصرم 2005. ولا يفوق بهجة هذا القرار ـ المفاجيء بعض الشيء ربما، قياساً علي رفعة مدن إسلامية أخري عريقة في العالم العربي، مثل بغداد ودمشق والقاهرة ـ إلا ما يلقيه من مسؤولية ثقيلة علي عاتق الذين آل إليهم هذا الشرف.

والقرار اتُخذ قبل خمس سنوات، خلال قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة، الأمر الذي يعني أنّ السلطات الثقافية السورية امتلكت فترة زمنية كافية للتحضير والإعداد والبرمجة، علي نحو ينبغي أن يكفل حسن التخطيط والتنظيم والتنفيذ، كما ينبغي أن يليق بالمدينة العريقة، وبالمناسبة الفريدة. وهذه، غنيّ عن القول، فرصة نادرة (لن تتكرّر مرّة ثانية، للتذكير!) كي يتعرّف العالم الإسلامي علي تاريخ وثقافة وحضارة سورية البلد بأسرها في الواقع، وليس شطرها الذي تجسّده مدينة حلب وحدها. ومن هنا فإنّ العام 2006 ينطوي علي تحدّيات جدّية متعاقبة، لعلّ عددها يساوي تماماً عدد الأنشطة، بحيث تأخذ كل فعالية صيغة تحدِّ قائمة بذاتها.

لكنّ الأجهزة الثقافية الرسمية التي ستتولي التنفيذ ليست، للأسف، مدعاة تفاؤل كبير كما علّمتنا تجارب السنوات الأخيرة. فالأداء متواضع أو بائس أو كارثيّ في مختلف مؤسسات ومديريات وزارة الثقافة، بدءاً من المؤسسة العامة للسينما، التي تعوّض عن هبوط معدّل الإنتاج بارتفاع معدّلات الفساد، مروراً بانحطاط سياسات النشر والترجمة، خصوصاً بعد التقاعد القسري الذي فُرض علي المفكّر الراحل أنطون مقدسي، وانتهاءً بعجائب الإبتذال التي يجترحها مدير ما يُسمّي دار الأسد للثقافة والفنون ، والذي يتردّد أنه القشّة التي لم تقصم ظهر وزير الثقافة السابق محمود السيد فحسب، بل أطاحت به نهائياً! وما دام الشيء بالشيء يُذكر، يكفي أنّ هذه الوزارة الشقية شهدت تبدّل أربعة وزراء خلال خمس سنوات!

البرامج، من جانبها، طموحة تماماً والحقّ يُقال. ففي الجزء الذي يخصّ تاريخ المدينة (التي عرفت غزوات وحصار وفتوح الأكاديين والبابليين والحثيين والميتانيين والفراعنة والآشوريين والفرس والروم والسلوقيين والمسلمين والسلاجقة والمغول والتتار والمماليك والصليبيين والعثمانيين والفرنسيين... وهُدمت وأُعيد بناؤها مراراً)، هنالك محاضرات وأوراق تبدو قيّمة مثيرة، مثل: بين مملكة ماري وحلب، حلب وطريق الحرير، حلب منعطف الحروب الصليبية ، البحث عن طروادة هوميروس، وبين حلب والبندقية.

وفي التاريخ الديني والعقائدي للمدينة، هنالك مساهمات حول ابن رشد وابن عربي وحوار الحضارات بين ضفتي المتوسط، وتصوّف حلب بين السهروردي وابن عربي، التراث الفلسفي الإسلامي في حلب، ودور المطبوعات المسيحية في عصر النهضة، والتسامح الديني من خلال نصوص إسلامية ومسيحية مبكرة. وفي تاريخ المدينة الثقافي وحياتها الفكرية، ثمة بحوث في الأدب الروائي والطبّ والفلسفة والموسيقي والعمارة، وأخري في أعلام المدينة (وهم كثر! بين المحدثين وحدهم نجد عبد الرحمن الكواكبي، خير الدين الأسدي، إبراهيم هنانو، سعد الله الجابري، شكيب الجابري، عمر أبو ريشة...)، وأخري في اللغات، واللهجات، والآثار، والمساجد التاريخية، وأدب الرحلات.

وبالطبع، لا يستقيم الحديث عن حلب دون الخوض، وربما ضرورة الإسهاب، في وصف الحياة الشعرية للمدينة. وهذا الشطر يتضمن عناوين مثل حلب في عيون الشعراء ، المعري في حلب ، البحتري في حلب ، الصنوبري شاعر الطبيعة ومؤرخها ، بين خالد بن الوليد وعمر أبو ريشة و شعراء حلب في القرن العشرين . ثمّ... كيف يمكن لحديث كهذا أن يكون وافياً بأيّ معني، إذا لم يتوقف عند أبي الطيّب المتنبي، صاحب الأبيات الأشهر:

نحن أدري  وقد سألنا بنجدٍ أقصـيرٌ طريقنا أم يطولُ

وكثير من السـؤال اشتياقٌ وكثير مـن ردّه تعـليلُ

كلما رحّبتْ بنا الروضُ قُلنا حلبٌ قَصْدُنا وأنتِ السبيلُ

والحال أنّ ثمة ورقة بعنوان بيت المتنبي في حلب ، وسيجري ترميم البيت خصيصاً لهذه المناسبة، فضلاً عن محاضرة ثانية بعنوان بين المتنبي وخولة . وما دمنا في حديث الشعر فإني لا أخفي انسياقي إلي تلك السطور الشهيرة من قصيدة والت ويتمان تحية أيها العالم ، حيث يلقي الشاعر التحية علي مدن إسلامية عديدة، بينها الجزائر وطرابلس وتومبوكتو وطهران ومسقط والمدينة، وحلب طبعاً. كذلك أتذكّر ذلك المستهلّ الصاعق من قصيدة ناظم حكمت سيرة ذاتية ، والذي عدّه البعض أحد أنبل النماذج الشعرية علي خيانة الطبقة: ولدت في 1902/ولم أعد إلي مسقط رأسي بعدها/ وفي الثالثة خدمت حفيداً لباشا في حلب... .

حلب هذه عريقة عتيقة سامية حاضرة في التاريخ كما في الوجدان، عابرة للحدود والمحيطات والأزمان، والشاهدة علي أحقاب من عمر الإنسانية قلّما قُيض لمدينة أن تشهدها. فهل ستلتقط وزارة الثقافة السورية قفاز التحدّي منذ الأسبوع الأوّل لانطلاق الفعاليات، أم علي العكس: سوف تلقي بالمنشفة أرضاً، وكفي الله بيروقراطييها شرّ القتال؟ إلى أعلى

إهانة جديدة لسوريا وشعبها جبهة خدام بيانوني

نور الدين بدران - صفحات سورية

كما تكون السلطة تكون المعارضة ، سوريا ليست خارج هذه القاعدة ، لا قديما ولا راهنا.

نهاية سبعينيات القرن المنصرم ، مع بدايات تعفن وتحلل النظام البيروقراطي السوري وتضخم أجهزته الأمنية بشكل سرطاني واستشراء هيمنتها على الاقتصاد والثقافة وإلغاء المجتمع وسحق مؤسساته المدنية التي لم تكن تجاوزت حالتها الجنينية ، وتذرير أحزاب المعارضة عبر السجون والقمع والملاحقة ، وحقن أحزاب السلطة الاحتياطية أي ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية بلقاحات الترهيب والترغيب ،في تلك الأثناء كان السيد عبد الحليم خدام أحد مؤسسي هذا النظام وأحد أهم أركانه ومنظريه ، وكان حزب جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاته وتفريخاته الصورة الأكثر وضوحا وانعكاسا لذاك التحلل ولكن في الجهة الأكبر مساحة من المعارضة السورية.

هذه الصورة الفاشية الإخوانية كانت الانعكاس الحقيقي للسلطة الاستبدادية المتخلفة ، حيث راح الطرفان يغذيان التطرف والتعصب ويسحقان الشعب السوري تحت ألوية صراعهما الدموي ، وكلاهما كانا (وأجزم اليوم أنهما مازالا) بريئين من جميع شعاراتهما وإيديولوجيتهما.

لقد أحبط الوعي الشعبي السوري وقواه المتنورة ، مشروع الحرب الأهلية لكنه لم يتمكن من إلغائه كليا، بحكم قوة الوحشين المتصارعين اقتصاديا وعسكريا وتحالفات كل منهما إقليميا ودولياً، وهكذا عاشت سوريا حربا أهلية نسبية محدودة على طريقة الحرب الباردة ، أو نوعا من حرب المواقع، لكن كانت الفاتورة على حساب سوريا وشعبها وبالأخص قواه المتنورة ومثقفيه ومبدعيه.

اليوم أيضا كما تكون السلطة تكون المعارضة، فهذه الميوعة والتذبذب بين الإصلاح والبقاء في الخط القديم ، والشطارة الغبية في المماطلة والمتاجرة العتيقة بالشعارات والخطابات ، من جانب السلطة وعدم اتخاذ طريق واضح وحازم في مواجهة الاستحقاقات الواقعية على جميع الأصعدة السياسية وافقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مجالي السياستين الداخلية والخارجية ، كل هذا يعكس نفسه على صفحة مستنقع المعارضة الذي يحتل الإخوان المسلمون أوسع حيز فيه ، على الأقل عدديا أو كميا.

لكن الاستنقاع والميوعة والتذبذب أيضا تعكس نفسها على الحيز الباقي الذي تتناثر عليه بشكل فسيفسائي قوى المعارضة التي تدعي العلمانية والديمقراطية وهي بمعظمها لم تخرج عن ارتهان ساذج وتعلل مجاني بأوهام تتعلق إما بالإخوان أو بالنظام.

اليوم تمر سوريا بأسوأ الظروف داخليا وخارجيا ، يأتي لقاء السيدين خدام- بيانوني ليعبر عن الواقع السوري ، بأنه اللقاء الأسوأ بين أسوأ طرفين عانى منهما الشعب السوري.

أقول وليس على سبيل الاستدراك ولا العزاء، وإنما كحقيقة هناك إيجابية كبرى في هذا اللقاء ، ولكن لمن يقرأ ، وهي حقيقة أكدتها التجربة المجبولة بالدم والوحل والعار أن الطرفين : النظام والإخوان ليسا إلا وجهين لعملة إرهابية استبدادية واحدة ، سواء لبسا أزياء السلطة أو جلباب االمعارضة، وليس المراهنون سابقا ولاحقا من قوى تدعي العلمانية والديمقراطية .......إلخ على أي من الطرفين إلا صورة عن الغباء السياسي السوري النادر.

إن مراجعة البيانوني وحزبه للتجربة المرة ،لا تختلف عن مراجعة خدام ومن يلتحق به ، وليس مصادفة أن يلتقيا ولا عرضا أن يتاجر كل منهما بآمال وأحلام الشعب السوري ، بل كل ذلك استمرار طبيعي لماض أسود لن يتم غسله بمائه الوسخ ، وإنما يحتاج إلى أجيال جديدة متنورة ومستقلة عن ديناصورات العهد القديم ، سواء في السلطة أو في المعارضة على حد سواء.

أما المستسهلون من القوى الأخرى كسذّج إعلان دمشق ، فسيكتشفون عاجلا أو آجلا أن التغيير عملية أعقد وأطول من بياناتهم الأكثر سذاجة من رسالة يكتبها مراهق في المرحلة الإعدادية لحبيبة متخيلة.

الحوار المتمدن إلى أعلى

خدام صديقا للشعب الكردي ...هزلت

عصام حوج

خاص – صفحات سورية –

إذا كانت الإثارة والمفاجأات من ميزات الظرف السياسي الراهن , فإنها لدينا نحن الكرد ذو طعم خاص ونكهة خاصة , تدعو إلى الضحك لدرجة القهقهة أحيانا , والبكاء إلى حد العويل , أحيانا أخرى , ومن آخر مفاجأاتنا نحن أبناء الجن كما يسموننا , هو ماحدث في مؤتمر واشنطن لدعم الحقوق الإنسانية والقومية للشعب الكردي , أقول ماحدث , لان المؤتمر بحد ذاته , مكان انعقاده وتوقيته , والجهة الراعية له , ليست مفاجأة في مرحلة يكاد البعض يجعل من البيت الأبيض كعبة الديمقراطية ,لدرجة التفكير بتعليق صور جورج بوش في بيوتنا بدل تمثال كاوا , وسماع أغاني مادونا بدل شفان , وحفظ إبداعات غوبلز ورامسفيلد عوضا عن قصائد جكرخوين وشيركو بيكس .... ومن يعترض على ذلك فهو ذو فكر شمولي , عميل السلطة , متخلف, إرهابي ,ملعون الأبوين .... وبالعودة إلى ماحدث في مؤتمر واشنطن واقصد تحديدا قراءة الأستاذ صلاح بدر الدين لرسالة الديكتاتور سابقا والديمقراطي حاليا السيد عبد الحليم خدام ( لقب السيد نكاية بالأطرش طبعا ) في المؤتمر , والذي يبث فيه لواعج نفسه الرقيقة,وعواطفه النبيلة تجاه الشعب الكردي . ولمن لايعنون بحفظ الأسماء نقول صلاح بدر الدين سياسي كردي مخضرم وماركسي لينيني سابق, وعدو أول للامبريالية والصهيونية كما كان يقدم لنا على مدى عقود من الزمن , وكانت المنح الدراسية من الدول الاشتراكية السابقة متوفرة لديه أكثر من بعض الأحزاب الشيوعية , وانتقل مع من انتقل إلى مواقع ومواقف أخرى .... كل ذلك بات من الأمور شبه المألوفة , بقوة الأمر الواقع في مرحلة خلط الأوراق وضياع المقاييس ,أما ماهو غير مألوف هي محاولة تسويق خدام كرديا , بعد أن سوق طائفيا اثر لقاءه البيانوني , وفتوى هذا الاخيرعن إمكانية توبة خدام عما اقترفه من مثالب إثناء وجوده في الصف الأول من السلطة, لقبوله في صفوف المعارضة ,وكأن هناك من يريد رسم لوحة محاصصة طائفية عرقية في سوريا محاكيا النموذج العراقي .... وإذا افترضنا حسن النية وقلنا إن هذه قناعات هذه الفئة من القوم , فان ما نتمناه هو ألا يفعلوا ذلك تحت ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان , والتباكي على ضحايا أحداث حماة , والقامشلي... فالديمقراطية تتناقض على طول الخط مع الانقسام الطائفي والقومي ومبدأ المواطنة , اللهم إلا إذا كانت ستارا لاستراتيجيات أخرى بدأنا نجد ملامحها في العراق , نقصد استراتيجيات التفتيت , وإذا كنا نجد في العراق بداية المأساة , فإنها ستتجلى في الظرف السوري كمسخرة بكل تأكيد لعوامل واعتبارات ليس الآن مجال بحثها

إن الصراع الدائر في سورية اليوم لم يكن يوما ما ولن يكون صراع قومي ,أو ديني ,أو مذهبي, ومن يريد إن يقدمه بهذه الصيغة إنما يريد التغطية على جوهر الصراع , الذي هو صراع بين الناهب والمنهوب , بين القامع والمقموع , بين الوطني واللاوطني, وبالتالي فالعمل وفق منطق البيزنس الطائفي والقومي , لايمثل إلا مصالح تلك النخب السياسية والثقافية التي تتكأ أصلا على ما نتج عن التطور المشوه للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستوى الديمقراطية في البلاد جراء السياسات المتبعة من قبل السلطة على مدى عقود , والتي أحيت كتحصيل حاصل تلك البنى الاجتماعية التقليدية ( المذهب , الطائفة , والقبيلة والعشيرة , والتعصب القومي ), باتجاه قوننتها , فالديمقراطية المزعومة هذه هي استكمال لمشروع نتج عن جوانب من سياسات السلطة أصلا ,وفي هذه الحالة هي موضوعيا تصب في ذات الاتجاه , وليست قطيعة معه , والمواطن السوري لايهمه اسم الناهب والمستبد, ودينه ,وقوميته, ومذهبه بقدر ما يهمه تغيير الواقع باتجاه تأمين كرامته, وأي تغيير اذا اخذ مثل ذاك المنحى يمكن أن يسمى بأي اسم إلا اسم التغيير الديمقراطي بل هو استبداد من طراز آخر يستعيض عن الكرباج بالفيتو الطائفي , الذي سينتج موضوعيا نقيضه أي فيتو الطائفة الأخرى لتنتج في المحصلة تجاذبات طائفوية أو قوموية , يضع الكل الطائفي والقومي بمواجهة الكل الآخر وهذا ما يتناقض مع المنطق , والعقل فبين أبناء كل جماعة قومية او دينية او طائفية من استبد ,ومن نهب بطريقته ووفق مصالحه والأمثلة أكثر من أن تذكر في هذا السياق.

إننا نعتقد إن الكرد السوريين كما كانوا ضحية السياسة الاقتصادية الاجتماعية وما نتج عنها من بطالة وفقر وقهر مثل أغلبية الشعب السوري كحالة سورية عامة,وسياسات التمييز القومي, وإنكار الوجود كحالة خاصة ,فانهم في نفس الوقت ضحايا بعض النخب السياسية الكردية المأزومة , وبعض النخب الثقافية التي فشلت في المجال الإبداعي وانتقلت إلى الحقل السياسي وبدافع مصالح آنية مفترضة أو على الأقل قراءة خاطئة للوحة السياسية الراهنة إلى مواقف ومواقع تدفع الشعب الكردي إلى منزلقات خطيرة تؤثر على علاقته مع شركاء الوطن والتاريخ والجغرافيا

لقد أكد غالبية الكرد السوريين , - ولا أقول الكل- على انتماءه الوطني السوري , وساهموا مثل غيرهم من أبناء سورية في معارك النضال الوطني والاف الشهداء الكرد منذ معارك الاستقلال وضد الأحلاف وحرب 48 وحرب 67 وحرب تشرين وحرب لبنان أدلة دامغة على ذلك , وهم الرد الواقعي على كل ماأبدعه العقل الشوفيني السلطوي على مدى عقود من اتهامهم بالانفصالية بلغة تعميمية منافقة , وإذا كان سلوك هذا العقل الشوفيني مفهوما , فان ماهو غير مفهوم هو سلوك بعض النخب الكردية وبالأخص تلك التي ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي في العراق , و تناسلت بعد أحداث القامشلي بين الجاليات الكردية في الدول الغربية , وباتوا يتحدثون باسم الكرد السوريين ويحاولون الدوس على ذلك الارث أي انهم في المحصلة يعملون موضوعيا على اثبات ما عجزت عن اثباته العقلية الشوفينية في السلطة , ليس عن طريق الجلوس بين احضان البنتاغون فقط , بل بتسويق ذلك النوع من المعارضة التي تتباهى بالتغيير بمباركة أمريكية أو ما يصب باتجاه تنفيذ المشروع الأمريكي على اقل تقدير إلى أعلى

الإطاحة بالنظام السوري هل أصبحت قاب قوسين أو أدنى؟ وكيف؟

الطاهر إبراهيم

ما يزال الغموض يكتنف نواحي كثيرة مما يود المحلل للوضع السوري أن يلقي الضوء عليها، في طريقه إلى تمييز ما هو حقيقي عما هو أماني . وهو ليس غموضا بناء، بل هو غموض ملتبس من زوايا كثيرة يود الدارس لو يقف فيها جميعها أو أكثرها، ليصور منها الواقع السوري من مختلف نقاط النظر.

فلم يعد يمكننا القول أن الإدارة الأمريكية حريصة على بقاء النظام السوري كما كان الحال منذ بداية الرعاية عند مجيء الرئيس الراحل "حافظ الأسد" إلى الحكم في عام 1970 . كما لا يمكننا القول أن الإدارة قد نفضت يدها نهائيا من هذا النظام، سواء لاعتبار أن النظام ما يزال له دور يمكن أن يلعبه وترغب فيه واشنطن، أوخوفا من بديل غير مرغوب فيه، وهو ما يجعل موقفها من النظام يصدق عليه المثل السوري "عيني فيه، وتفو عليه".

وإذا كانت واشنطن لم تنفض يدها بعد من نظام دمشق، فما هو مؤكد أن الشعب السوري قد نفض يده نهائيا من صلاحية هذا النظام للبقاء في السلطة، ليس في عهد الرئيس بشار الأسد فحسب، بل منذ الأيام الأولى لاستلام حزب البعث الحكم،لأنه نظام قمعي وفاسد أولا، ولأنه لا يمتلك مقومات النظام الذي يستطيع أن يدافع عن مصالح الوطن ثانيا.

صحيح أن الشعب السوري ما يزال يجهل الأسلوب الناجع لطرد نظام البعث من السلطة، ولكنه ما يزال يتطلع إلى من يقوم بذلك. حتى إنه ،لفظاعة ما قاسى من قهر واستبداد هذا النظام، أصبح قطاع من هذا الشعب ليس بالقليل لا يهمه من سيقوم أو يساعد على الخلاص ، إذا تأكد له أن ذلك لن يقترن بانتقاص في حقوقه وحقوق الوطن. بل إن البعض لا يمانع أن تفعل ذلك واشنطن، إذا التقت مصالحها مع مصالحه. فهي ليست هيئة إغاثة، ولا تعمل لوجه الله، وإنما تعمل وفق مصالحها.

ولكن ما هو ملاحظ على ساحة السعي للإطاحة بنظام حزب البعث، أن كثيرا من الكتاب والمعارضين بدؤوا للتنظير فيمن سيخلف هذا النظام سورية بعد رحيل حزب البعث، وكأن الغطاء الأمريكي قد رفع عنه فعلا، وأن سقوط نظام حزب البعث أصبح مسألة وقت، وأن المذيع بدأ في التدرب على إلقاء البلاغ رقم "واحد" من الإذاعة والتلفزيون،مع أن المثل عند الفقهاء يقول "أثبت العرش وبعدها انقش".

ومع أن أخطاء رموز النظام السوري أخذت تتراكم فوق بعضها لتشكل "حالة" محسوسة في طريق انحدار هذا النظام نحو المجهول، إلا أن الحساب الصحيح يقتضي أن نأخذ بجانب الحذر، وأن نبتعد عن الجزم بأن ذلك كائن قولا واحدا. بل الصحيح أننا نعيش ،في أحسن الحالات، في مرحلة الشك التي يتساوى فيها "نعم ولا" بدون زيادة أو نقصان. لأن اللاعب الرئيسي،وهو أمريكا، ما يزال يعتقد أن نظام حزب البعث ما يزال النظامَ الذي يستطيع أن "يدفع أكثر"، فلماذا تغامر أو تقامر؟ وإن كانت تحاول أن تظهر خلاف ذلك.

ومع وضوح هذه القضية أمام المحلل السياسي، فإن مجرد الانسحاب السوري من لبنان، والإشارة بإصبع الاتهام إلى تورط النظام السوري في اغتيال "الحريري" بعد اعتقال كل الذين كانوا يقودون الأمن في لبنان وكانوا محسوبين على النظام السوري، جعل الكثيرين يعتقدون أن الإطاحة بنظام حزب البعث أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

ولذلك فقد بادر بعض الطامحين إلى ركوب موجة التغيير، ودخول بورصة من سيستلم الحكم تاليا. فبدأنا نشهد نشوء أحزاب سورية جديدة، تكاثرت كما يتكاثر الفطر في يوم شاتٍ كثير الضباب، خصوصا في بلاد أوروبا وأمريكا. مع أن بعض هذه الأحزاب لم يتجاوز أعضاؤه أفراد أسرة رئيس الحزب فقط.

وبدلا من أن تتداعى الأحزاب المعارضة في داخل سورية وخارجها إلى اللقاء والبحث في كيفية ضم قواها إلى بعضها، في مسيرة الإطاحة بنظام حزب البعث، كما فعلت بعض قوى "إعلان دمشق"، بدأنا نرى البعض يهمه معرفة اسم البديل السياسي أكثر مما يهمه حصول التغيير في سورية.

ابتداء، لا يلام المواطن السوري ،وخصوصا من اكتوى بظلم وقمع وتسلط أجهزة الأمن، أن يقول في رموز النظام السوري ما لم يقله مالك في الخمر. فقد شرع الله تعالى ذلك فقال "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم".وهذا المبدأ يندرج على السيد "عبد الحليم خدام" يوم كان رمزا فاعلا في نظام "حافظ أسد"، حيث كان مشروعا أن تبين إساءاته، كما يندرج على كل الذين أساؤوا إلى المواطنين وأفسدوا.

واستطرادا فقد رأينا الجميع يسكت عن إساءات رموز السلطة. فإذا ما اعتزل هذا الرمز أو ذاك، أوأقصي عن منصبه، فأراد أن يصحح مسيرته من جديد، سلط عليه النظام أبواقه قبل أن يبدأ بكشف مخازيه مثلما حصل مع "عبد الحليم خدام". وللأسف فالبعض قد انطلت عليه حيلة النظام فانساق وراءه، مع أن القرآن ينص ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)(الآية 24 من سورة المائدة)، والمروءة تقتضي أن نرحب بمن تاب، بل ونعفو عنه، ما لم يكن حقا شخصيا، فإن لصاحبه أن يطلبه أمام القضاء.

واستطرادا فالذين يدعون إلى تغيير النظام في سورية، فإن استنكارهم قيام جبهة أو أكثر مكونة من فصيلين أو أكثر تتضافر جهودهم في السعي للخلاص الوطني، ولو اختلفوا معهم في الرأي، فإنه لا يعني إلا إبقاء الجميع مشتتا، وهو ما يريده النظام في دمشق.

فإذا كانت رغبة الجميع هو إقصاء النظام الاستبدادي عن سدة الحكم، فينبغي أن نبارك أية خطوة لضم جهود المعارضين في سبيل إنهاء تفرد النظام الحالي بالحكم وإعادة الأمر إلى الشعب السوري ليقول كلمته بعد تغييب له دام أكثر من أربعة عقود.

وفي هذا السياق، فإن اللقاء الذي تم في "بروكسل" يوم الجمعة 17 آذار "مارس" الحالي بين المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية المحامي "علي صدر الدين البيانوني" وبين "عبد الحليم خدام" نائب الرئيس السوري السابق،وحضره معارضون سوريون آخرون ،وأعلن فيه تأسيس "جبهة الخلاص الوطني"،إنما هو خطوة على الطريق، يمكن لمعارضين آخرين أن ينضموا إليها أو أن ينسجوا على منوالها.

كاتب سوري

"الرأي / خاص" إلى أعلى

الـقومـية الجديدة: 'القطري' أولاً

أكرم البني

درج في الآونة الأخيرة استخدام شعارات "سوريا أولاً" أو "لبنان أولاً" أو الأردن أو فلسطين، وهي موجة جديدة من الشعارات تكشف للوهلة الأولى، عمق الأزمة التي تعتمل في الفكر القومي العربي عندما تتخلى نخبه عنه، ومنبته ومهد تطوره في بلدان المشرق، وتعلن التحول في اتجاهات المحلية والوطنية. والحقيقة أن شيوع رغبة سياسية يصح اعتبارها شعبية الى حد ما، في تأخير البعد القومي وتقديم الهم الوطني، وتالياً التوجه صوب مزيد من بلورة برامج التنمية المحلية قبل الحسابات والروابط الإقليمية والعربية، ليس فعلاً تآمرياً استعمارياً، وأيضاً لم يظهر بشكل فجائي أو يهطل من سماء صافية، بل هو أمر مبرر له سياقاته وحيثياته ويمكن ربطه أساساً بعاملين. عامل ذاتي يتعلق بطبيعة الوعي الجديد الذي اكتسبته النخب التي تقود التيارات السياسية والثقافية في ضوء ما حصل من مستجدات عالمية وإقليمية، ربطاً بالنتائج الهزيلة والآثار السلبية المثيرة للقلق التي حصدتها تجربة سنوات طويلة من تغليب النضال القومي على ما عداه، لجهة فشل تجاربه التاريخية المختلفة، وعجزه عن معالجة ما آلت إليه أوضاع المجتمعات العربية من بؤس وتردٍ وخاصة في فلسطين والعراق.

وعامل موضوعي يعود، في ضوء خواء ما طرح من مشاريع تعاون عربية، الى ما صارت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية من تميز في كل مجتمع على حدة، ما أدى الى مزيد من تبلور الخصوصية القطرية وانحسار القواسم المشتركة أمام اتساع مساحة التفاوت، وتالياً اختلاف حوافز تطوير كل بلد وطابع مشكلاته وسبل معالجتها. إن تنامي الهوية الوطنية أمر مفسر ومفهوم وبات من المشروع والطبيعي لكل مجتمع أن يحرر نفسه من أعباء الالتزامات الإقليمية أو العربية طالما لا تساعده في معالجة أزماته الداخلية بل ربما تفاقمها، وتالياً لم يعد من المبرر حرمان أي بلد مهما كان صغيراً ومحدود الإمكانات، حقه في القبض على أوضاعه الخاصة، تحت ذريعة أولوية الخيار القومي وضرورة الالتزام به، خاصة أن التجربة العيانية للرهان القومي تبرهن كيف تحول أكثر من بلد ضعيف ريشة في مهب الريح تتضاربها مصالح الأطراف الأقوى مهددة سلامة حاضره ومستقبل أجياله. لكن في المقابل لا تسوّغ هذه المشروعية أبداً اللجوء الى الإطلاقية وارتفاع أصوات تدعو الى القطع وفك الارتباط التام بين الأوضاع المحلية وأحوال المنطقة وصراعاتها الملتهبة، مثلما لا تبرر للذين آمنوا بالفكر القومي واكتووا بنار الهم العربي هذا الانتقال السهل والسريع من عارضة توازن الى أخرى ومن تطرف الى تطرف، وإهمال حقيقة الترابط العضوي والعميق للمسارات السياسية والتنموية في مختلف بلدان المنطقة.

يصح القول إن أحد أهم مثالب الفكر القومي في المشرق العربي أنه إيماني وعفوي أكثر مما هو واقعي وموضوعي، هو تجريدي وعاطفي إن صحت العبارة، لا يملك أساساً في البنية التحتية ولم يحظَ بقوى اجتماعية لها مصلحة عميقة في مقاومة التمزق وإزالة الحدود القائمة. وبعبارة أخرى فالقومية كرؤية فكرية للمثقفين العرب لم تفرضها حاجة الواقع الملموس بل ولدت كحافز نضالي تحرري في مواجهة فكرة الخلافة العثمانية ثم تبلورت أكثر بنشوء وتبلور الفكرة القومية التركية منذ مطلع القرن العشرين، وتالياً لم تحملها قوى وطبقات لها طموحات اقتصادية في تحرير سوقها الداخلية والاستقلال بها وإنجاز مشروعها الاقتصادي والسياسي الوحدوي، الأمر الذي وسم ممارسات النخب القومية بهذه السمة وأكرهها على الاندفاع لتعويض هذا النقص، هروباً الى الأمام نحو أولوية القومي. وبدل حل المشكلات والهموم المحلية وايلاء التنمية الوطنية حظاً أوفر من الاهتمام تفشت الدعوة لقضية أو مشكلة عربية تأجلت من أجلها جميع المسائل القطرية حتى الملحة منها، خاصة استحقاق التغيير الديموقراطي، فكانت الريادة لشعارات الوحدة العربية وقضية فلسطين في الأمس، ثم فلسطين والعراق والسودان اليوم. والأنكى حين لمس المواطنون العرب لمس اليد كيف استخدمت العقيدة القومية مطية من قبل غالبية الأنظمة العربية لتسويغ الاستبداد وتعزيز سلطانها واستئثارها بالامتيازات والمغانم!!

لكن في المقابل يصح القول أيضاً أن التنمية الديموقراطية هي عملية مترابطة في البلدان العربية ومجتمعات المشرق العربي بصورة خاصة، ولا يمكن أياً كان أن يتجاهل ذلك أو يغفله، فيخطئ من يهمل مثلاً، ارتباط مستقبل بلدان المشرق العربي بمسيرة العملية السياسية في العراق، خاصة إن تمكنت الدولة الجديدة من إحياء مبدأ المواطنة على حساب الخيارات الطائفية وفرض جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال. مثلما يخطئ من لا يتلمس الآثار المميزة التي يمكن أن يخلفها حراك الشعب اللبناني ونجاحه في بناء اجتماع وطني ديموقراطي يحتضن تنوعه الفريد، أو نجاح الانتخابات الفلسطينية وميل الشعب الفلسطيني الى تكريس العمل السياسي وقواعد التعددية واحترام حقوق الإنسان كطريق رئيسة لإدارة شؤونه ولانتزاع حقوقه المغتصبة أيضاً، أو في حالة حصول تغيير ديموقراطي في سوريا، وقِسْ على ذلك الكثير من الأمثلة والحيثيات.

بين الهوية الوطنية والنضال القومي حلقة ترابط يجب التنبه لها والتعامل معها بمنتهى الدقة والوضوح وعلى أساس من الشركة الندّية وتكامل المصالح، فاعتبار الوطنية أولاً، ليس شعاراً خاطئاً أو ضاراً، وهو لا يعني أبداً التخلي عن الهوية القومية أو تذويبها، خاصة أن معظم دعاته لم يغفلوا دورهم القومي بل يطالبون بممارسته بالصورة الأجدى والأنجع، وهي الحقيقة التي أكدتها تجاربنا المريرة بأن الوحدة العربية الأقوى والأعز هي وحدة التكوينات الوطنية القوية والعزيزة، لا وحدة تكوينات ضعيفة ومهلهلة، فأن تكون قومياً جيداً يعني أن تكون وطنياً جيداً!!.

ثم أن ثمة أساس موضوعي يتنامى اليوم ويشتد في مشروع الشركة بين المجتمعات العربية، لا يعود فقط الى التاريخ المشترك وروابط اللغة والأرض، وإنما أيضاً الى الشروط الجديدة التي تسم المناخات الدولية الراهنة، فما يشهده العالم من بناء التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى يؤكد استحالة نمو وبقاء الكيانات الصغيرة، الأمر الذي يتطلب بداهة تجميع كل الموارد والطاقات الاستثمارية العربية وتقاسم أعباء النمو، وتالياً تجاوز النظرة والحلول القطرية الضيقة نحو تضافر كل الإمكانات والكفايات كطريق لا غنى عنها للارتقاء بالمجتمعات العربية عموماً وتعزيز حضور كل مجتمع على حدة.

مثل هذه الطريق يفترض أن تبدأ بمراجعة نقدية للفكر القومي بقصد تحريره من جملة التباسات أحاطت به، ومن أخطاء واندفاعات بالغة الخطورة ارتكبت باسمه، وأساساً لتحريره من نزعة إيديولوجية حولته الى عصبية شوفينية لا إنسانية والى خندق مواجهة وإقصاء أو الى شكل من أشكال العقيدة المقدسة أو نظرية فلسفية، إن صحت العبارة، تدّعي القدرة على محاكاة النظريات الفلسفية العالمية، وحتى التفوق عليها.

والأهم أن مستقبل الفكر العربي، بل مستقبل العمل القومي برمته، ونخص بداية بلدان المشرق العربي، مرهون اليوم بقدرته على منح الأولوية لعملية التغيير الديموقراطي والتنمية السياسية الوطنية، ولاكتشاف سمات لعلاقة جديدة بين الهوية الوطنية والبعد القومي، تنمي الاهتمام الموازي الضروري بالمسائل المشتركة في المنطقة وقضايا العالم المتغير. لكن هذه المرة دون أية مقايضة على الديموقراطية أو التضحية بها على مذبح الفكر القومي أو خلق حالة تعارض وتناقض بينهما. فالديموقراطية، هي الضمانة الرئيسة لفتح أوسع الآفاق أمام هذا الفكر، ليس فقط لاتصال مسألة الحريات العامة والخاصة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية بإبراز جوانب معاناة الإنسان العربي المشتركة، وليس لان الديموقراطية بما توفره من مشاركة شعبية واحترام لكرامة البشر هي الصيغة الأسلم للعلاقة بين الحاكم والشعب فحسب، وإنما أيضاً لان الديموقراطية هي ضمانة الوحدة الوطنية المهددة داخل عدد من بلدان المشرق العربي، كما هي السبيل الصحي الى تحقيق التشارك والتضامن وربما الوحدة بين هذه البلدان أو بعضها، باعتبارها تفسح في المجال لإرادة الغالبية الشعبية كي تقول كلمتها بحرية وتظهر ما يعتمل في صدرها من مواقف وأحاسيس قومية ووحدوية. ربما لن يطول الزمن حتى نلمس من جديد في منطقتنا المشرقية، مجتمعات وطنية تعرف جيداً كيف تنطلق وهي بكامل صحتها وعافيتها، من الانغماس في هموم بلدانها الخاصة نحو المشترك العربي، على أمل تحسين شروط حضورها وحياتها وتكامل قدراتها لجسر الهوة مع العالم المتقدم التي يهدد توسعها بخروج هذه المجتمعات من التاريخ.

(دمشق)

كاتب سوري

النهار إلى أعلى

سورية واحدة في الداخل و الخارج

نشات النادري

قد يبدو للبعض للوهلة الأولى أن العنوان يدل على وحدة الصف و قوة اللحمة الوطنية لسوريا حاكمين و محكومين ولكن الواقع هو على النقيض تماماً.

أعيش في واشنطن منذ ثلاث سنوات و بدراسة بسيطة للجالية السورية هنا و مقارنتها بمكونات المجتمع السوري في الداخل أدركت وحدة السيكولوجيا الإجتماعية و الإيديولوجيا الفكرية التي تجمع الفئتين.

ولدى التواصل مع الدبلوماسية الرسمية السورية هنا في واشنطن و بعثتنا الدبلوماسية في نيويورك و سماع أخبارهما و مقارنتها مع دبلوماسيتنا الرسمية في دمشق و ماهية نظامنا السياسي و آليات تنفيذ صلاحياته أدركت أيضاً بما لا يدع مجالاً للشك وجوه التشابه الكلي الذي يصل إلى حد الإستنساخ السياسي رغم البعد الجغرافي للأراضي التي تمارس عليها هذه السلطات.

من هنا خلصت إلى أن سورية في الداخل كما هي في الخارج، فكل ما سبق قد لا يكون خافياً على أفراد النخبة المثقفة و خاصةً المغتربين منهم لأنهم يستطيعون إجراء المقارنة كل يوم و قد يتلمسون التشابه المطلق بنظرة سريعة لواقع الامور.

لكن الجديد بل الغريب جدا في الامر أنه بمناسبة المؤتمرالوطني للمعارضة السورية الذي أقيم في واشنطن زارني احد المؤتمرين و أقام لدي لفترة بعد فعاليات هذا المؤتمر و من خلال هذه الزيارة و بعض اللقاءات و جدت أن المعارضة السورية في الولايات المتحدة و كندا موحدة أيضاً......

نعم إنها موحدة أيضاً و لكن على ماذا....؟

للأسف أنها موحدة على تبادل الخلافات الذي يصل إلى حد ممارسة الإلغاء و الإقصاء بل و التهديد أيضاً...

ولو حاولنا في عرض سريع رسم الخطوط العريضة للمعارضة السورية في الخارج لوجدنا ان المتنفذ منهم لدى الإدارة الأمريكية يحاول أن يكون بمنأى عن الخلافات حفاظا على استراتيجيات تم رسمها بعناية، واية تجاذبات مع اطراف اخرى قد تؤدي الى تاخير تحقيق الاهداف المرتقبة، وآخر يحاول اللعب على اوتار انه ذوي أصول دينية وان له بعض القواعد هنا و هناك و لديه المال و المعارف مدعي الثقافة السوربونية المعاصرة، والبعض الجديد يدعي انه زعيما جديدا للمعارضة بعد ان كان احد امراء الموالاة متسلحا بان خيوط الاصلاح البعثية تتجمع بين يديه ناهيك عن وفرة المال والنفوذ داخل وخارج اوروبا متخذا الدفاع عن حقوق الاقليات شعارا جديدا رغم عدم اقتناعه بذلك.

ولكن كل هؤلاء لا يتورعون رغم وجودهم في الولايات المتحدة واوروبا عشرات السنين عن ممارسة التهديد السياسي فيما بينهم عندالإختلاف في الشئ رغم ان هذا يعتبر خرقاً للقانون الدولي و لو كان بأبسط الأشكال.

بدأت أستغرب التناقض السياسي لديهم بممارسة المحظورات التي يتهمون السلطة في الداخل بممارستها مخالفين بذلك ( لا تنهى عن فعل و تأتي بمثله ).

أما معارضة الداخل فهي أيضاً لا تختلف بالمجمل عن السلطة.

قسم منها مدجن بالأفكار الإشتراكية القديمة التي لا طائلة من تحديثها و لا بأبرع برامج المايكروسوفت فهي وقفت عند عام 1956 و تابعت بناء أفكارها من تلك النقطة الزمنية.

و قسم آخر غني يتخذ من المعارضة شعاراً جديداً لتحديث نمط العيش في عصر العولمة و يعتبرها إستكمالاً لبريستيجه الشخصي و بدلته السينيه كما أنه لا يمانع دفع فواتير و تكاليف بعض إستحقاقات المعارضة الديموقراطية هنا و هناك.

القسم الاكبر من هذه المعارضة هو قسم فقير محمل بكثير من الأفكار و المبادئ الحقوقية و السياسية جزء منها أخرق و الآخر نبيل و صعب التحقيق و لكنه ليس مستحيل.

بيد أنه و بدافع الفقر يقع البعض منهم في فخ الشراء من السلطات القمعية السخية.

وبطبيعة الحال لا يجب أن يفهم بأن ماسلف ذكره هو موقف من السلطة أو المعارضة أو تغليب لكفة إحدى الجهات على الأخرى فكلاهما ضعيف و مخترق من الآخر.....كلاماً قد يبدو خطيرا و لكنه حقيقي.

في الخلاصة و في محاولة لإستعراض بعض العبر فان سورية واحدة و موحدة : معارضة و موالاة و أفراداً في الداخل و الوسط و الخارج.

إن هذا يدل على مرض مزمن يعاني منه بداية الفرد السوري الذي ُكرََّس لديه مبادئ تحكم حياته و مصيره على مدار نصف القرن الماضي تتراوح درجة نذالتها بين الخيانة إلى الكذب، و من النفاق إلى الشعوذة و من الفساد إلى السطو المسلح.

كلها صفات على تفاوت درجاتها يتمتع بها المواطن السوري البرئ في داخله ( و أنا منهم ) و المريض في واقعه لكن الطامة الكبرى أننا نفخر بهذه الصفات و لا ننفك عن ترديد الشعارات الجوفاء التي تشيد بخصالنا النبيلة وتاريخنا الحافل الذي ورثناه عن الأجداد و لم يبق منه الآن سوى الأسماء و التي تتراوح على عكس ما سلف بين الوفاء إلى الصدق و من الصراحة إلى الحقيقة و من النزاهة إلى الأمانة حيث اننا ننفذ ماقاله هيغل ان القسم الاكبر من الكذب ياتي عبر المؤرخين.

بدات اشك مؤخرا بامجاد التاريخ جملة وتفصيلا.

أرجو أن ُيفهم هنا أني لا أتهم 17 مليون سوري بالنذالة بل أنا أحمّل النظام مسؤوليته التاريخية عن تلويث شعبه و أفراد حكومته بفيروس الكذب و الفساد و أخيراً اللاواقعية.

هل ترون معي أن من ولد على أرض سورية بعد عام 1963 يعاني من هذا الداء حتى و لو عاش خارجها دهراً.

أتمنى أن نتمكن خلال نصف القرن القادم من رؤية هذا الفيروس و نحاول عزله و من ثم معالجته بعيداً عن المضادات الحيوية الأمريكية فاعلة التأثير.

الولايات المتحدة

ايلاف إلى أعلى

طائفية بغيضة

ميشيل كيلو

الجميع يلعنونها، ويعلنون براءتهم منها، ويرفضون الانتساب إليها، ويرون فيها أعظم الشرور، لأنها نقيض كل ما هو وطني ومجتمعي وإنساني، ولأن سيطرتها تعني قتل الهيئة الاجتماعية وموت وجدان وضمير الفرد، وانهيار الوعي العام، والإجهاز علي الحرية.

إنها الطائفية، التي لا يذكرها عربي أو مسلم إلا ويقرن بها لفظة البغيضة ، ولا يتحدث أحد عنها إلا ليعتبرها دليلا دامغا علي ما آلت إليه من سوء أحوال أمة كانت تجتاز حقبا وطنية وقومية، انقلبت فجأة ـ وبقدرة قادر ـ إلي حقب طائفية، فانقلب معها كيان العرب رأسا علي عقب، وأصيب بأمراض أنهكتهم ووضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر، وجعلتهم يقومون شؤونهم بأسس ومعايير لا تستقيم معها حياة الجماعة ووجود الفرد، أدت إلي هلاك الدولة، وفصم عري المواطنة، وتفرق المجتمعات وتشتت الأسر: هي أسس ومعايير الطائفية البغيضة، التي يعتقد بعض العرب أنها لا تكون خطيرة إذا لم تتجسد في نظم، ويؤمن بعضهم الآخر أنها لن تصير نظما إن لم تستحكم قبل ذلك في النفوس، وتتغلغل إلي العقول، وتنجح في تحويل الأولي إلي كهوف للقسوة والظلم، والثانية إلي مصانع للإجرام وكره الآخر، خاصة إن كان مواطنا من طائفة أخري، أي شخصا مرشحا للقتل لأنه إما عدو أو مشروع عدو.

رغم سيادة الطائفية، ليس بين العرب شخص واحد يعترف بأنه طائفي، وليس هناك نظام واحد يقر بطائفيته أو يسمح لمواطنيه بالحديث عن الطائفية أو حتي بالعمل علي التخلص منها أو بالمطالبة بتقييد انفلاتها، فالطائفية ليست موجودة في البلدان العربية، وتخشي الحكومات، كما تقول لغتها الكاذبة، أن يستحضرها الحديث عنها مثلما يستحضر الحديث عن الشيطان الشر. تري، من يخدع هذا الموقف، الذي يزج بنا في وضع مفارق، يجعل حياتنا خاضعة من جهة لاعتبارات طائفية ومذهبية وفئوية تقرر معظم جوانبها العامة وتفاصيلها، بينما يرفض كل واحد منا، من جهة أخري، الاعتراف بالطائفية أو الإقرار بوجودها ونفوذها، ولا يسمح أحد بمناقشتها كظاهرة خطيرة، ويكذب الجميع، حين يتحدثون عنها، فيزعمون أنها ظاهرة عابرة وعرضية وليست مشكلة معقدة. هكذا، وصلنا إلي حال تحتل الطائفية فيه موقعا حاسما، يجعلها موجودة في كل مكان، دون أن تكون تحت أي ضوء، خاصة ضوء العقل العام، الذي يمنع بالقوة والتخويف من اعتبارها مشكلة رئيسية، ويجبر علي التعامل معها باعتبارها لا شيء، أي غير موجودة، فمن المنطقي أن لا يكون من حق أحد ذكرها، لأن الحديث عنها يعادل اختلاقها وإغراق الأمة في مستنقع خانق، يعترف الجميع أنه جعلها في أسوأ حال هو مستنقع الطائفية البغيضة.

نشأت الحاجة إلي الطائفية الحديثة، أي السلطوية والمنظمة، من عجز النخب الحاكمة عن إسناد رؤاها وخططها وبرامجها ونظمها إلي حاضنة وطنية وقومية عامة، وتعززت من خلال بحثها عن حامل ما قبل وطني/ما قبل مجتمعي يحميها، وجدته في تكوينات مغلقة ذات قيم ومعايير خاصة، لم تنصهر في البوتقة المجتمعية علي أسس حديثة وجامعة، فاستندت إليها بما هي تحديدا تكوينات تتوجس من مجتمعها، ودخلت معها في علاقة مصالح ووجود. بمرور الوقت وترسخ الطائفية كنهج وكواقع، صار للنظم مصلحة في إلغاء ما في الهيئة الاجتماعية من مشتركات وقيم حديثة، ما بعد طائفية، فوقعت الكارثة، ودب الخراب، وأنجب النظام القائم عالما مقلوبا وضعه في مواجهة عدائية مع مواطنيه، بينما تحول أعداؤه في الخارج إلي حلفاء محتملين أو حقيقيين له. ومع أن من يقوضون المجتمع ويعتمدون علي تكويناته الطائفية لا يقرون بحقيقة ما يفعلونه، بل يديرون في أحيان كثيرة أسطوانات مناقضة للطائفية تتغني بالوطنية والقومية والعدالة والتقدم والحرية والدين والمساواة والإخاء بين البشر والمجتمع الحديث والمدني... الخ، فإن هؤلاء لا يفعلون في الحقيقة أي أمر إلا انطلاقا من معايير طائفية؛ معايير ترفض رؤية المواطن كفرد في دولة وعضو في هيئة مجتمعية، وتراه وتستخدمه كمنتسب إلي تكوين سابق للدولة والمجتمع ولاغ لهما هو الطائفة، التي كلما توطدت قضت علي ما حولها، وقامت بالعمل الذي يقوم به في العادة العدو الخارجي، حتي أن من تحكمهم نظمها يتساءلون باستغراب إن كانوا يعيشون في بلدهم وتحت حكم وطني، أم في بلد معاد وتحت حكم استعماري.

بقدر ما تكرس الطائفية، بقدر ما تعلن الحكومات، التي تقيمها وتستند إليها، براءتها منها، وتعتبرها جريمة يستحق من يقترفها العقاب والقتل، ومثل ذلك من يطرحها كمشكلة علي الوعي الوطني العام، وأخيرا من يطالب بالتخلص منها. ولعل أعظم غرائب الطائفية تكمن في أن من يرتكز عليها يعدها مؤامرة خارجية، لا رد عليها بغير اصطفاف مواطنيه وراءه، أي وراء نظامه الطائفي. ومن يراقب حياة العرب المعاصرة، ستذهله مفارقة غريبة حدها الأول إنتاج الطائفية المقصود، وحدها الثاني إدانتها واتهام الآخرين بها، وفي الوقت نفسه تغييبها عن برامج الأحزاب والقوي السياسية، وعن الوعي الوطني العام، واعتبار كل من يتحدث عنها أو يقاومها عميلا ضالعا في مؤامرة خارجية خبيثة.

ثمة، دون أي شك، جهد خارجي يستهدف تحويل المجتمعات العربية إلي تجمعات طائفية. ولا شك، بالمقابل، في أن من أضفوا طابعا طائفيا علي سلطتهم خدموا الخارج، ليس فقط لأنهم حالوا بين مجتمعاتهم وبين أن تكون حديثة وموحدة، بل كذلك قادرة علي المبادرة والصراع ومؤهلة للدفاع عن نفسها ومصالحها. ولا شك، أخيرا، في أن منع العقل المجتمعي والشعبي العام من طرح موضوع الطائفية بحرية وصراحة هو حلقة مهمة في سعي النظم إلي تأبيدها والإمعان في استعمالها سلاحا تغتال به بلدانها، لصالح خارج يعرف قيمة ما تقدمه إليه من خدمات، لذلك يتمسك بها، بعد أن حققت أعز أحلامه: هدم مجتمعاتها وتقويض دولها وتدمير مواطنيها، وإعدادها للسقوط في أول مناسبة.

لقد حان الوقت لطرح موضوع الطائفية علي الوعي العام، ولكشف مضامينها ومخاطرها ولتخليص الأمة منها، خاصة بعد أن أخذت الطوائف تتحول إلي أحزاب سياسية ودول، وشرعت تشق العالم العربي إلي عوالم، والإسلام إلي مذاهب، وتلعب أخطر دور يمكن تصوره في القضاء علي الحركة القومية والوطنية العربية الحديثة. ومن يتأمل ما يحدث في العراق، سيجد أن الطائفية أخذت تطيح بالإسلام وتقلبه من دين تسامح ووحدة إلي دين بغضاء وشقاق. وقد تفجره في مستقبل منظور في أكثر من بلد عربي.

هناك ظواهر يستحيل التعايش معها، أهمها في عالم العرب الحالي: الطائفية، الظاهرة التي ستقضي علينا، إذا لم ننجح في التخلص منها والقضاء عليها، في أقرب وقت وبكل ما لدينا من طاقات.

القدس العربي إلى أعلى

الصحوة الإسلامية

نضال نعيسة

خاص – صفحات سورية -

يحلو لكثيرين ممن يسكرهم حلو الكلام، وعذب القوافي وسجع المفردات، وحكايا الرومانس تعويضا عن حالة العجز النفسي والهوان وعدم القدرة على المنافسة الحضارية في الميدان، وتطربهم المظاهر الخادعة والصياح في الفراغ وسماع الأصداء، أن يطلق عما يراه من عبوس وتزمت، وتطرف، ومغالاة، وانتشار للجلاليب وإطلاق للحى، وفرض للحجاب، وهبوط في مستوى الوعي، وانتشار الجهل والأمية ومظاهر التخلف الشنعاء، واستسهال الحلول المعلبة الجاهزة من السماء، وعمليات غسل الدماغ، وتكفير الناس، واعتزال الفنانين، وتفريخ الدعاة، ورعاية الوعاظ من فئة النجوم الخمسة في فضائيات طويلي العمر وبراميل زيت الكاز، وأصحاب ربطات العنق الإيطالية ومادون ذلك من البذات الفاخرات، ونجوم كليبات الموت وقطع الأعناق، ومشاهد القتل والثأر والانتقام، وكثرة الكاسيتات لشيوخ البلاغة والخطاب، وقوة ذاك الحلف المقدس والمعلن مع أنظمة الاستبداد، وتحريم الفرح والاختلاط واللهو والموسيقا والابتسامات، وشحن الأجواء بالكراهية، والحقد، والاستعداء، وضخ الدولارات النفطية الهائل في قنوات الاستهبال، ومنع الاختلاط، وخلو المسلسلات من أية مظاهر غير محتشمة وحمداً لله على هذه النعم الوفيرة الطهراء، أو ظهور أي كأس ويسكي فيها أو "حليب السباع"، بأن يطلق على هذا كله ما اصطلح على تسميته بالصحوة الإسلامية، لدرجة أن أخذت العزة بالحلم، والحمية بمعظمهم بأن أطلق على تلك الدول البائسة التي تعيش القهر، والظلم، والإملاق من "طنجة إلى جاكرتا"(الشعار الرسمي لإحدى جماعات الإسلام السياسي) بالأمة الواحدة المتجانسة بكل ما فيها من تناقضات، وحروب وعداوات وثارات وملل ونحلل وطوائف وقبائل متناحرة وأقوام متناطحة وعشائر متنافسة، هكذا وبكل بساطة، ويريدنا أن نضحك على أنفسنا ونصدق كل ذلك الهراء.

فمن المعروف أن تلك "الصحوة"، إن كان هناك ثمة صحوة على الإطلاق، تزامنت مع صعود أسعار الدولار وبروز النفط كعامل فاعل وأساسي في الحياة الاجتماعية قبل السياسية في العالمين العربي والإسلامي. وقد ساعدت تلك الأفواج الهائلة التي يممت وجهها باتجاه الصحراء طلبا للرزق وتعدل في تفكيرها، وأسلوب حياتها، وفي مساراتها، وتعود لتفرضها فرضا في بلادها، مما ساعد في عملية نكوص حضاري سلوكي كبرى في هذه الدول، إضافة لانعدام وجود بديل نهضوي،أو مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي عصري ومتكامل يأخذ على عاتقه مهمة التعويض المادي لما رآه الإنسان المحبط في هذه الأصقاع من عجز، وهزيمة، وهوان. وهنا ظهر دور الجماعات الإسلامية لاستغلال كمية الشحن القصوى المتراكمة بفعل الهزائم والنكسات الوطنية المتلاحقة، وانخرطت جموع لا متناهية من الشباب، وانضوت تحت تلك الألوية والبيارق الدينية التي ساعدت أنظمة الطغيان الحاكمة على نموها، وسهلت لها المهمة لتضرب عصفورين بحجر واحد. فالعصفور الأول ضمان ولاء وبقاء هذه الجموع الساخطة من الشبان تحت جنح السلطات بفعل الحلف المعلن بين السلطات الحاكمة، والسلطة الدينية الرمزية(وزارات الأوقاف، والمساجد، والجامعات، ودور الإفتاء)، التي يتم تعيين كوادها الكبيرة والصغيرة جميعاً بفرمانات، ومكرمات سامية من القصور الحاكمة والبلاطات. وأما العصفور الآخر فهو محاربة الفكر اليساري الذي كان سائداً وقتذاك، والقضاء عليه واتهام أتباعه بالكفر والإلحاد والزندقة والهرطقة وإلى ما هناك من أوصاف وتهم في وسائل الإعلام المملوكة للدولة حصراً. كما ساعد وضع كل تلك الوسائل الإعلامية، مجاناً وعلى طبق من ذهب لنشر كل تلك الأفكار ذات اللون الواحد والتي فعلت فعلها فيما بعد، إلا أنه انقلب السحر والحلف على الساحر، وأنتجت لنا تلك الممارسات ظواهر تاريخية خارقة من أمثال الشيخ أسامة بن لادن، والزرقاوي، والظواهري والصحراوي، و"الأبوات" الكثر الذين يثيرون الرعب، تيمناً بالسلف الصالح، والذين تضيق صفحات الأنترنت كلها عن ذكرهم وذكر أفعالهم ومآثرهم الخالدة على الناس.

وقد عنت هذه الصحوة فيما عنت، وبشكل متضارب كليا مع مفهوم الصحوة، العودة الجماعية والشاملة للوراء ودونما نقاش، لأغوار التاريخ الماضي السحيق الذي أفلتت بعض الدول للتو في الهروب والنجاة منه. ولذا اقتضى هذا استلهام أنماط سلوك ومظاهر خاصة تميز أصحاب هذه التيارات، وأزياءً تتماشى مع ذاك الغوص الطوعي الغرائزي في أعماق الزمان، واصطلح على تسمية هذا الشطط، والنكوص الفكري والسلوكي العام بالصحوة، فتأمل يا أيها الغافل عن هذه الصحوات العجيبة، وأين أنت من الأنام؟ لا بل يجادلون بقوة، ومدفوعين بدعم من أولي الأمر الألباب، بأن هذا هو الحل لجحافل الأزمات والمشاكل المستعصية الرابضة فوق رؤوس الناس. و اقتضت على الجانب السياسي والاقتصادي، و"بسبب انعدام نماذج عصرية ملائمة"، استنباط تجارب إنسانية أبوية هيراركية مشاعية رعوية غير علمية فاشلة ومريرة لتطبيقها من جديد على الناس، كالإعلان، مثلا، عن أن دولة الخلافة التي ذهب قتلاً وغدرا ثلاثة من خلفائها في أوج تألقها الزاهي الذي يفخر به هؤلاء، هي الحل والخلاص. ناهيك عن كل تلك النماذج المخجلة والهزيلة في عصور التفكك والانحطاط والحروب والدماء. دعوات حقيقية للعودة إلى هذه النماذج المنقرضة بعد أن ركنت طويلاً في متاحف الزمان وعلاها الصدأ والغبار، في عصر يمضي بسرعة البرق، والصواريخ البازلتية ذاتية الدفع وتحكمه بالكامل نظرية النسبية لليهودي العبقري والجني الألماني الخارق ألبيرت أينشتاين. ومحاولة إقحام كل ذاك إقحاماً إرهابياً ثقيلاً بالحياة العصرية مدعوما بالسيف والرصاص. وهذا، عملياً، من رابع المستحيلات، إذا لم يكن موتاً على البطيء وانتحاراً حضارياً بكل ما في الكلمة من معان ودلالات، وخروجاً مريراً من المضمار والسباق البشري العام.

في الخمسينات والستينات وقبل الطفرة النفطية، والصحوة الغيبية المزعومة، وبدون كل ذاك الحشو والضخ الفارغ والإقحام، كانت تتسم الحياة العامة بالمحافظة عموما وتمثل مكارم الأخلاق، وانعدام نسبي للرشوة واللصوصية والتشبيح والمافيات، وانتشار القيم والمبادئ السامية على حد ما، في جميع مجتمعاتنا المحافظة، واتسمت العلاقات الاجتماعية بالكثير من السلاسة والود والوصال والوئام، مع العلم أن المظاهر العامة لم تكن بذاك التغول الفاضح من محاولات فرض العقائد والاستئثار بالمشهد العام. وبعد الصحوة تغيرت الأمور كلياً، وانقلبت اللوحة رأسا على عقب، ووصلت الصورة إلى الآفاق ملطخة بأفعال أبطال الصحوات وصارت مظلمة شوهاء بشكل عام بعد الاسترسال في حلم السيطرة وفرض العقائد بالإكراه.

ولكي لا يفاجأ أحد من الناس، وتنهال التهم الجاهزة، والصفات المعلبة ، ووابل التكفيرات، نقول نعم نريدها صحوة إسلامية حقيقية لا شكلية كما دأب على تقديمها هؤلاء. ونتمنى من شيوخ الصحوة الكرام الأجلاء أن يحثوا على، ويتبنوا فعلاً صحوة في الضمير، وتمسكاً بالقيم والمبادئ، وثورة في مكارم الأخلاق، وحباً للعمل، وتقديساً للموهبة والإبداع، ونشراً للوعي والمعرفة، ونبذا للتعصب والمغالاة، ودعوة للتسامح، وإدانة للتكفير، وهجراً للبغضاء، ورغبة بالمنافسة الشريفة، واحتراماً للشعوب الأخرى والديانات والمقدسات، ومناهضة للعنصرية والتمييز والاستعداء والاستكبار، وكفاً عن دعوات القتل والتصفيات وقطع الرقاب، ونشراً للخير، وتعميماً للثراء، وقولاً للحق، وتجريماً للإرهاب، ومقارعة للظلم والطغيان والاستبداد، وحرباً بلا هوادة على الاستغلال واللصوص والمافيات، وفضحاً لأساليبهم المجرمة النكراء، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والأرباح والخيرات، وتجسيداً لشفافية مطلقة في المعلومات، ونشراً لروح المحبة والتفاني السمحاء وثقافة الاحترام، ودحضاً لأية تبريرات، وأعمال تنال من كرامة الإنسان. لا الاقتصار على تلك المظاهر الخادعة التي لم تعن شيئاً على الإطلاق سوى العدم والفراغ، ولو قدمت أي شيء هام وفعال لما كانت حالنا بالنتيجة على هذه الحال، ولرفعنا لها القبعات احتراماً على أي إنجاز، ومهما بداً صغيراً في المعيار والميزان.

ومع كل ذلك المشهد المحزن العام الغافي عن آلاف المشكلات والمعضلات، والحامل لكل أسباب الصراعات والانفجار، وبعيداً عن كل التفاصيل الدقيقة التي تزيد في الجروح والإيلام، نختم بالقول، لقد "صحوا" صحوتهم المؤرقة الغفلاء، ويا ليتهم ما صحوا، وبقوا إلى أبد الآبدين في كمون، وهجوع، وسبات إلى أعلى

هل الديكتاتورية لاصق اجتماعي في المجتمعات؟

محمد سيِّد رصاص

تفككت البنى المجتمعية في يوغسلافيا والصومال والعراق بعد رحيل أو سقوط الديكتاتور الفرد، وفي الاتحاد السوفياتي عقب انهيار نظام الحزب الواحد، لتعود مكونات البنية للتمحور حول القومية أو الدين أو الطائفة أو القبيلة، حيث بنيت الكيانات الدولتية الجديدة حول بعض تلك المحددات أو أحدها (كما في دول الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا السابقين)، أو أصبحت القوى السياسية متأطرة عبرها في مجتمع يعاني من التفكك والصراع (كما في العراق والصومال)، ولو لم يصل الى مرحلة الانفصال الجغرافي بين مكوناته تلك.

هذا يعني أن الديكتاتورية السياسية نسبية، وكذلك الديموقراطية أيضاً، فالديكتاتورية لم تنشأ، في الحالات التاريخية المختلفة، نتيجة الطبيعة الشريرة للقادة السياسيين أو الحاكم الفرد، وإنما إما نتيجة لحالة فراغ اجتماعي، مثلتها فترة انتقالية يعيشها مجتمع بين مرحلتين لم تتبلور فيها الطبقات الاجتماعية الجديدة ولم تعد فيها الطبقات القديمة قادرة على الاستمرار بالحكم كما في حالة كرومويل ولويس الرابع عشر ونابليون، أو نتيجة اختلال التوازن الاجتماعي لغير صالح الحكام بعد ثورة أتت بهم للسلطة كما في حالة ستالين بين عامي 1929 ـ 1932 لما وجد البلاشفة أنفسهم بدون القاعدة العمالية التي أوصلتهم للسلطة في عام 1917 نتيجة خراب الصناعة بعد الحرب الأهلية والحصار الدولي وبدون الفلاحين الذين تحولوا الى جهة مضادة لهم بعد عقد من ثورة اكتوبر، وهذا ما دفع ستالين الى ممارسة العنف ضد الفلاحين في مرحلة الكلخزة (التجميع الزراعي) لتفادي عواقب اختلال القاعدة الاجتماعية التي أوصلت البلاشفة للسلطة، والى انشاء أخرى جديدة (كان العنف قابلتها) عبر التصنيع والتحديث القسري.

في العالم العربي، كانت الديكتاتورية تعبيراً عن مفاعلات اللااندماج في البنية المجتمعية، وعن ضعف القاعدة الاجتماعية للحاكمين، ليأتي العنف واقياً وترياقاً لها، إلا أنها أيضاً كانت مؤشراً الى انزياح طبقات، برجوازية في المدن الكبرى وفئات وسطى مدينية، لصالح الفلاحين والأرياف والبلدات الصغيرة (وهو ما لم يحصل في الغرب لما تولت البرجوازية حل المسألة الزراعية من خلال إطار مهمات التحديث والتمدين الرأسمالي)، حيث كان العسكر عنواناً لهذا الإنزياح، وهو ما رأيناه في فترة 1952 ـ 1963 في المنطقة الممتدة بين الجزائر وبغداد، فيما حصل هذا في ثورة إيران المدنية عام 1979.

في هذا الإطار، لم يكن الصراع بين الريف والمدينة ذا شكل اقتصادي ـ اجتماعي محض، ترجم نفسه في أشكال ايديولوجية ـ سياسية، وإنما كان يحوي مضمرات فئوية (كما في سورية، وفي العراق حيال الشيعة، المهمشين في الوظائف والتعيينات سواء كانوا ريفيين أو مدينيين منذ العهد الملكي) وإثنية (كما في الجزائر، لما أتت غالبية الفئة العسكرية الحاكمة من منطقة ريف الشرق الذي يحوي بربر الشاوية، وأيضاً في العراق لما كانت غالبية الفئة العسكرية الحاكمة بعد 1958 عربية من بلدات سامراء وتكريت والرمادي وأريافها واستبعد منها الأكراد بخلاف فترة انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936)، فيما نجد في مصر ان التحديدات في البنية الاجتماعية لضباط ثورة 1952 متعينة في كون غالبيتهم الساحقة من الريف.

كان فشل الديكتاتورية العسكرية عند العرب في المهمات القومية ـ الوطنية، وفي مهمات التحديث والتنمية ـ عاملاً أساسياً في ارتداد "المكونات المجتمعية" الى الإنتماءات الأولية، من دينية وطائفية فئوية وإثنية، وفي تداعي قوة التيارات الايديولوجية العابرة لتلك المكونات.

من هنا، كان الإنتقال الى الديموقراطية مترافقاً مع عملية تداعي وتفكك في البنى المجتمعية التي تعيش حالة اللااندماج، وهو ما رأيناه في الانتخابات العراقية الأخيرة، لما عبرت القوائم الفائزة عن تمترسات فئوية وإثنية ودينية، ولم تكن هناك سوى قائمة واحدة عابرة لتلك المحددات، هي قائمة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، والتي لم تستطع الحصول سوى على (25 مقعداً) من مقاعد البرلمان البالغة (275 مقعداً).

السؤال الرئيسي الآن، هو: كيف يمكن لعملية الإنتقال من الديكتاتورية الى الديموقراطية، والتي تكتسب ديناميتها الآن من عوامل دولية تساهم في تفعيل المحلية، ان لا تكون طريقاً الى التفكك المجتمعي (أو الى تكريس اللااندماج عبر تقاسم دستوري للجبنة)، وإنما طريقاً الى وحدة مجتمعات تعاني من اللااندماج بين "مكوناتها"؟....

المستقبل إلى أعلى

نوروزونا كل يوم

مسعود عكو

خاص – صفحات سورية -

يقال أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, مر بقوم فضيفوه قطعاً من الحلوى, والأكل اللذيذ فسأل أحد السائرين معه من هؤلاء؟ قال: هم كرد يا أمير المؤمنين, فقال: ما مناسبة هذه الحلوى؟ فرد عليه الذي كان يسير معه: إن لهم عيد يسمى نوروز يقدمون فيه الحلوى, وما لذ, وطاب من الأكل, والطعام فضحك الإمام علي عليه السلام, وقال: "نوروزونا كل يوم".

آثرت في نفسي أن أورد هذه الحكاية حتى, ولو كانت غير حقيقة لكنني سمعتها من أكثر من شخص من الطائفة العلوية, وهم ليسوا كرداً, ويتفاخرون بأن الإمام علي عليه السلام قد بارك الكرد في عيدهم القومي, وهو النوروز, وغايتي في ذلك إرسال رسالة بسيطة إلى أغلبية رجال الدين عندنا, حيث يحرمون العيد بحجة أن لا عيد في الإسلام سوى عيد الفطر, وهو مكافأة الله عز وجل لعباده بعد شهر من الصوم, والعبادة والعيد الأخر عيد الأضحى الذي هو مكافأة للحاج على تلبية دعوة ربه, وكذلك تكريماً لسيدينا إبراهيم, وإسماعيل عليهما السلام.

كيف يكون النوروز حراماً, وأحد الخلفاء الراشدين يبارك الكرد في عيدهم, وينطلق الشيوخ, والملالي الكرد من تحريمه بحجة أن الخمر, والمنكر, والإباحية تكثر فيه, وكأن هؤلاء الشيوخ لا يرون ما هي برامج النوادي, و المطاعم في أعيادنا الإسلامية, ولا يتجرأ ذلك الشيخ, أو الإمام أن ينبس ببنت شفة.

نوروزنا, هذا اليوم المبارك, عندما لوى كاوا الحداد يد ذلك الدكتاتور الجبان أزدهاك, وحز رأسه, وحمله معه إلى ذرى الجبال برهاناً بخلاص الناس من الظلم, والاضطهاد, والغطرسة الذي فتك بالعباد لعدة عقود كما تفيد الأسطورة, وأضرم كاوا الحداد النيران على ذرى الجبال, وأعالي القصور التي كان يملكها أزدهاك معلناً بداية الثورة, ودحر عهود الظلام, والقهر, والاستبداد, وسرعان ما ألتف حوله الناس من كل حد, وصوب, وفتحوا المملكة, وتخلصوا من كل طغاة القصر, وأعلنوا أنفسهم حكاماً على البلاد, وبدأت سنين الحرية, والخير, والوئام بعدما كان الحاكم المستبد يقمع كل زهرة تتفتح, وكل وردة تبدأ بالانفتاح.

نوروزنا هذا اليوم الجديد التي أطلقت التسمية عليه شعوب هضبة إيران, وكردستان معلنين به ولادة يوم جديد يوم الخلاص من القهر, والظلم فأمت الفرحة بدل الحزن, والكآبة, والحرية بدلاً من التسلط, والظلم لينهوا بذلك عقوداً من الاستبداد, والاستعباد, والقتل, وسفك الدماء, وأعلنوا رحيل عقود الظلام, وبدأت أيام الحرية ببزوغ فجر هذا النوروز الذي أسل رسالة ملؤها الشجاعة, والحرية, والتصميم على دحر الطغاة, وكسر الغزاة والمستبدين الذين انهالوا على الأخضر, واليابس ولم يبقوا للعباد سوى الأسى, والحزن, والألم.

نوروزونا, هذا اليوم العظيم, الذي استطاع فيه رجل من عامة الناس أن يبلغ قصر ذلك الطاغية, وبدلاً من أي يقدموه قرباناً لقرونه التي تعودت على أكل أدمغة الشبان انهال عليه هذا الحداد القوي, وقد رأسه, وحمله معه كرسالة لكل طغاة الكون بأن لكل ظالم يوم, ولكل طاغية ساعة تنهي سنين ظلمه, وجبروته.

نوروزونا, الذي يجعلنا في كل عام نقدم قرباناً له دليل ولاءنا, وطاعتنا يسعدنا بأنه يأتي بيوم جديد, ونهار أخر, وفجر يبزغ من بين براثن الطغمة الفاشية النافية للأخر, والناقمة على كل الشعوب يجعل من الحياة شيئاً أخر, ويقلب الآية رأساً على عقب ممهداً الطريق لقدوم كاوا جديد يقارع الظلم, والقهر, والحرمان, ويبدأ من جديد إعادة سيناريو كاوا القديم ليحارب الظالمين في كل بقعة من هذه المعمورة.

نوروزونا, في هذا العام يعود, ومعه الربيع برائحة النسرين, والنرجس, وعبقه يملئ الأرض عبيراً, ونسمات الحرية التي ينتظرها ملايين البشر لخلاصهم من كل أزدهاك متسلط على رقاب العباد, ويعيد الحياة إلى سابق عهدها كما خلقها الله عز وجل, وتكفيه سنين الحرمان, والظلام إننا نهوى العيش بحرية, وسلام.

نوروزنا تحية لك في هذا العام, وفي كل عام وألف تحية لشهداءك الذين قدموا أنفسهم قرابين لك دون أن يبخلوا بذلك, وأعلم بان في كل عام هناك من يتوق أن يصبح هذا القربان فقط لكي ينعم غيره بالحرية, والخير, والوئام, وأعلم بأننا كلنا على أهب الاستعداد لنكون لك قرابين على الدوام متى ما شئت, وأردت, ولك منا كل فروض الطاعة, والولاء ولا تبخل علينا في هذا العام بأن نكون كغيرنا من شعوب هذه الخليقة, ولنجعل من يوم قدومك عيداً للفرح, والسعادة, ولنجعل كل أيامنا نوروزاً, ونقول كما قال الإمام علي عليه السلام: "نوروزونا كل يوم" إلى أعلى

قراءة مختصرة للراهن السوري

أمجد الرفاعي

يحاول النظام السوري إدارة معاركه على مختلف الجبهات التي تزداد مع مرور الزمن كمّاً ونوعاً.

ولا يخفى على أحد أن أعنف تلك المعارك وأشرسها هي تلك الهجمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذاً لأجندتها الخاصة،ومصالحها،ومشاريعها المتصلة بالمنطقة وخصوصاً في العراق.

وتزداد هذه الهجمة حدّة كلما أوغلت الإدارة الأمريكية في سقوطها في الوحل العراقي التي ساهمت هي بذاتها،وبـ(فوضاها الخلاقة) في تشكيله !.

وفي هذا الميدان، فإن أهم الأسلحة التي ترفعها الولايات المتحدة في وجه نظام دمشق هي لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالتحقيق في جريمة اغتيال الحريري.

وتعتبر التصريحات الأمريكية المتعلقة باللجنة ،أو تسريب بعض المعلومات المتعلقة بعملها،بمثابة مقياس حرارة سياسي،يقاس به مقدار ما يدور وراء الكواليس،أو ما يجري تحت الطاولة من صفقات،أو مقدار الشد والجذب الدائر بين الإدارتين السورية والأمريكية.

وعلى هذه الجبهة فإن النظام السوري فيما يبدو قد حقق بعض النجاحات ،واستطاع حتى الآن تجاوز المنزلقات والمطبّات الخطيرة التي وضعتها الإدارة الأمريكية في طريقه.

كما بدأت تظهر بعض المؤشرات التي تدل على أنه ربما كانت هناك صفقة ما، تحاول الأطراف المعنية عقدها بالخفاء، لخلاص الجميع من (مأزق) اللجنة المربك ،بتقديم بعض أكبش الفداء لهذه الـ(هيصة)الدولية التي آن الأوان لإسدال الستار على فصولها الأخيرة !.

الميدان الثاني الذي يخوض فيه النظام السوري معاركه مع الضغوط الخارجية، هو لبنان.

وعلى هذه الساحة أيضاً فمازال إلى أعلى

جبهة الخلاص .... هل تصنع الخلاص؟!

المدنيون الأحرار 19/03/2006 :

ليس بوسع سوري حريص على التغيير الداخلي في اتجاه الإصلاح العام إلا أن يرحب بكل حراك وطني يهدف إلى تجميع القوى وتنسيق الجهود. من هذا المنطلق نرحب بالإعلان الذي تم في بروكسل عن جبهة الخلاص الوطني وبدون التوقف الطويل عند الشكل والحيثيات نؤكد:

ـ إن كل ما طرح حول (الشكل) أو (الأسلوب) أو (الفرقاء) سيتساقط تلقائياً حين ستثبت الجبهة نفسها من خلال تطور نوعي في أداء المعارضة السورية. تطور يضعها عملياً على (خارطة) الشعب السوري الداخلية، وعلى الخارطة الإقليمية لشعوب ودور الجوار العربي، كما على الخارطة الدولية، فالكل يعلم أن المعارضة السورية لم تحظ حتى الآن بالاعتراف الدولي وأن النظام متقدم عليها في هذا المضمار.

تحالف عبد الحليم خدام مع الإخوان المسلمين وآخرين يمكن أن يُبرر، ويمكن أن يتسع حين يثمر نوعاً من التكامل فالواقع يؤكد أن سورية بحاجة إلى تزاوج الثقل البشري مع المفتاح الدولي والإقليمي إلى جانب الخبرات السياسية والإعلامية.

يطرح الشعب السوري تساؤلات كثيرة عن مشروع (عبد الحليم خدام) وعن حقيقة اللقاء بينه وبين (المعارضة) وبينه وبين (الإخوان) بشكل خاص ولهذه التساؤلات أجوبتها بدون شك، ولكن أحداً في المعارضة السورية لا يمتلك قنوات التوصيل العملية التي تقدم الإجابات بالتوضيح والبيان والإلحاح على الفكرة والموقف. آل الأسد وحدهم، في الداخل والخارج، هم الذين يملكون قنوات فضائية تتقاطع في الهجوم على المعارضة السورية وعلى لقاء بروكسل بشكل خاص.

(جبهة الخلاص) و(إعلان دمشق) وكل ما يمكن أن تقدمه اللغة من عناوين، لا يجوز أن يلغي بعضه بعضاً، ولا يجوز أن يضرب بعضه ببعض، وإنما يجب أن ينشأ المزيد من الروابط التي تؤكد على وحدة هدف المعارضة الهدف العملي العام بعيداً عن (الشخصانية) وأدوائها التي هي أساس بلاء الأمة، وبلاء القطر، وبلاء العمل العام.

في الحكم على لقاء بروكسل والإعلان عن جبهة الخلاص ليس لأحد أن يتعجل بالحكم على الأشكال والصيغ.. شعبنا في سورية يريد (عنباً) ويصر أن يسقط هوية (الناطور). إلى أعلى

معركة الديمقراطية في سوريا

الإثنين 20 مارس

سليمان يوسف يوسف

ثمة تبدل نوعي حدث في سلم أولويات (المعارضة السورية) في السنوات الأخيرة، حيث قفزت (المسألة الديمقراطية) الى واجهة الاهتمامات والأولويات، بعد أن أثبتت، الحقبة السورية والعربية الماضية المليئة بالهزائم العسكرية والسياسية والثقافية، بأن الشعب المقموع والمسكون بالرعب والمنهوب اقتصادياً لا يمكن له أن يقاوم ويحرر أرضاً أو أن يبني وطناًً سليماً مزدهراً. فمن طبائع الاستبداد أنه ينزع السياسية عن (المجتمع المدني) ويلغي دوره ويشل حركة وفعاليته، كما ومن شأن القمع أن يحول المواطن الى انسان مهزوم هروبي، يقوي لديه نزعة الخلاص الفردي ويضعف فيه الروح الجماعية وبالتالي يجر الى الانحطاط والظلامية و الهزيمة الوطنية الشاملة.هذه الحقيقة التي أدركتها قوى المعارضة السورية، الى جانب ظروف الاستبداد، دفعتها لتوحد صفوفها والانضواء تحت شعار "من أجل التغيير الديمقراطي" ضمن اتلاف سياسي سمي بـ (اعلان دمشق)، ضم أطراف عربية وكردية وآشورية وشخصيات وطنية مستقلة- مثلما فرضت، في الماضي، ظروف (الاحتلال الأجنبي) على تيارات وفصائل الحركة الوطنية السورية الانضواء والعمل معاً في معركة التحرير تحت شعار ((الاستقلال الوطني))- التزاماً بنهج التغيير وفي طار (معركة الديمقراطية) نفذت قوى (اعلان دمشق) يوم التاسع من آذار الحالي اعتصاماً سلمياً حضارياً أمام (القصر العدلي) بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعون لتطبيق قانون الطوارئ في البلاد، وقد شاهد العالم شرقاً وغرباً كيف جندت سلطات الأمن السورية المئات من الطلبة البعثيين، شباباً وشابات، بعد أن ضللتهم بشعارات معينة وسلحتهم بالعصي وبثقافة التخوين لقمع الاعتصام وتفريق المعتصمين وبطريقة همجية غريبة عن التقاليد الوطنية السورية وعلى مرأى من كبار الموظفين في وزارة العدل، حيث قام هؤلاء الطلبة بضرب المعتصمين والبطش بهم، أغمي على الروائية (سمر يزبك)،ونعتهم بالخونة والعمالة لأمريكا واسرائيل، لمجرد احتجاجهم على استمرار حالة الطوارئ ومطالبتهم بشكل سلمي وحضاري بإنهاء الاستبداد والعودة بسوريا الى دولة القانون والدستور والحق والعدالة. هذا (المشهد المأساوي) أمام (القصر العدلي) يعكس من جهة، مدى خشية النظام من (المعارضة السورية) بالرغم من ضعفها وانحسارها،الخشية من أن تتحول هذه الاعتصامات الرمزية، إذا ما استمرت وتواصلت،الى(كرة الثلج) السياسية تدحرج معها الشارع السوري وتجر خلفها (المعارضة الشعبية) الصامتة الواسعة التي تتكون من الفئات المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقة في الإصلاح والتغيير الديمقراطي، ومن جهة أخرى يدلل هذا المشهد المرعب الذي يحمل في طياته  تهديداً لـ (السلم الأهلي)، على أن الخوف الحقيقي في سوريا لم يعد على مستقبل الديمقراطية والحياة السياسية فحسب،إذ لا ديمقراطية ولا حياة سياسية يخشى عليهما،وإنما على (الوطن) ذاته، ليس من خطر خارجي، وإن كان احتمال هذا الخطر قائماً،وإنما من (غزو داخلي)، من العقلية الأمنية المتحكمة بالبلاد والعباد صانعة الاستبداد والتي   قادت الى هذا المشهد المأساوي أمام (القصر العدلي)، الخطر من هذا الإصرار على التماثل بين أمن (الوطن) وأمن النظام والنظر الى مصالح الشعب والوطن بدلالات النظام وحده لا شريك له.

على ضوء موازين القوى الحالية على الأرض، تبدو معادلة (التغيير الديمقراطي) في سوريا صعبة وربما شبه مستحيلة الى حين، إنها معركة قاسية و طويلة وقد تكون مكلفة، حيث (معارضة ضعيفة) عاجزة على (تغيير النظام) أو حتى إجباره على التحول نحو الديمقراطية الحقيقة ، يقابلها نظام قوي يرفض، حتى الآن، تداول السلطة .حيال هذه الحالة السورية المعقدة من المهم جداً أن تتنبه قوى المعارضة السورية لخطورة الوضع ودقة المرحلة وتعيد حساباتها قبل كل خطوة تتخذها وأن تقييم نتائج هذه الاعتصامات الرمزية الهزيلة والبحث عن آليات عمل جديدة وجدية أكثر فعالة ومناسبة للحالة السورية تمكنها من تحريك المعارضة الصامتة بشكل سلمي وهادئ لتجنيب الوطن مخاطر الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه.وعدم الانخداع بتحليلات وقراءات البعض هنا وهناك، خاصة تلك التي صرح بها المراقب العام لجماعة (الإخوان المسلمين) علي صدر الدين البيانوني في بروكسيل "نعتقد أن هذا النظام استوفى الآن جميع أسباب الانهيار" أو قول خدام، المنشق عن النظام، "سوريا على أبواب ثورة شعبية تطيح بنظام بشار الأسد"، هذه التصريحات جاءت في أعقاب اجتماعاتهم مع بعض فصائل المعارضة المقيمة في الخارج وإعلانهم قيام((جبهة الخلاص الوطني من أجل تغيير النظام السوري)). فـ (النظام السوري)، وكما يبدو، مازال قوياً ومتماسكاً بالرغم من كل الهزات والضغوطات التي تعرض ويتعرض لها، ومن المؤكد أنه لن يرضخ للابتزازات، الداخلية أو الخارجية، وبالتالي لن يقدم سوريا هدية لأية جهة أو قوى تريد انتزاع السلطة منه.أن الخروج من هذا المأزق أو بالأحرى من النفق وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الى الفوضى وتكرار المشهد العراقي الأليم في سوريا، هي مسؤولية كل من النظام والمعارضة معاً. لا شك،أن مسؤولية النظام هي أكبر لأنه يملك مفاتيح الحل، إذا ما توفرت لديه ارادة ورغبة حقيقة في الإصلاح، تترجم   بقرارات جريئة وخطوات عملية وسريعة يتخذها، في مقدمتها الغاء (المادة الثامنة) من الدستور وتحديد ولاية الرئيس بدورتين وتقصير مدتها لخمس سنوات، واجراء انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية ووضع قانون انتخابات جديد وديمقراطي لمجلس الشعب يضمن تكافؤ الفرص والتمثيل العادل للجميع.

كاتب المقال قيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية- سوريا إلى أعلى

ميشيل كيلو والتضامن مع سورية والحقد الذي يعمي البصيرة .. بقلـم : سالم عبيد

نشر ميشيل كيلو في صحيفة «الخليج» مقالاً كرسه للتعليق على مؤتمر الأحزاب العربية الذي عقد في دمشق للتضامن مع سورية ولبنان، ويستدعي ما جاء في المقال تسجيل خمس ملاحظات أساسية:

• الملاحظة الأولى، هاجم كيلو الأحزاب التي اجتمعت في دمشق، وهي تمثل كل الأحزاب العربية كما تمثل إرادة قطاع واسع من شعوبها، وتحديداً القطاع الذي يمثل القوى المعارضة للأنظمة الحاكمة في بلدانها، وهذه الأحزاب معارضة لسياسات أنظمتها لأن هذه الأنظمة حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل وداعمة أو غاضة النظر عن سياستهما الاستعمارية وخصوصاً في حق الأمة العربية، فلماذا يكون ميشيل كيلو ضد سياسات النظام في سورية التي تثير غضب إسرائيل والولايات المتحدة ومن أجلها يسعون إلى معاقبتها ولا يكون ضد سياسات الأنظمة الموالية لإسرائيل والولايات المتحدة، ويشجب أحزابها لأنها تضامنت مع سورية؟ سؤال الجواب عليه يكمن في أن كيلو مؤيد  للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، ولهذا يشجب المعارضة في الدول العربية لأنها ترفض هذه السياسة، ويقف ضد سورية ويشجب الأحزاب العربية لأنها لا توافق على السياسة الأمريكية والإسرائيلية.

• الملاحظة الثانية، السياسة التي أعلنت الأحزاب العربية في مؤتمرها في دمشق التضامن معها والتي تتبناها سورية والقوى الوطنية في لبنان، تتمثل بدعم المقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق، والتنديد بسياسات إسرائيل التي عطلت مسيرة السلام، ومعارضة قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق وفرض سياسة الهيمنة على المنطقة، فهل هو ضد هذه السياسات التي تضامنت معها الأحزاب العربية، وإذا كان ضد هذه السياسات ألا يصنف نفسه بالمعسكر الإسرائيلي الأمريكي؟ أما بشأن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، فكل الأحزاب العربية التي شاركت في مؤتمر دعم سورية ولبنان تتبنى في برامجها هذه الطروحات وتدعو إلى تطبيقها في بلدانها، بل دعت إلى تطبيقها في سورية وقد جاء ذلك في مداخلات المشاركين وفي البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر مما يؤكد أن معارضة كيلو لهذا المؤتمر تنصب حصراً على رفض المؤتمر للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، والضغوط التي تمارسها واشنطن ضد سورية، والتضامن معها في مناهضتها لهذه الضغوط.

• الملاحظة الثالثة، يقول كيلو في مقاله إن مؤتمرات الدعم المشابه لهذا المؤتمر لا تفيد بشيء، وهذا استنتاج غير صحيح، قد لا تستطيع هذه الأحزاب وقف غزو جيش كبير مثل جيش الولايات المتحدة التي لا تستطيع لا الصين ولا فرنسا وقفه إذا قرر مهاجمتهما، ولكن أشكال الدعم الذي قدمته الأحزاب العربية لسورية ولغيرها هو الذي يحاصر الولايات المتحدة وسياستها بجو من العداء الشديد، وهذا العداء بدأ يؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحدة ويدفع بقطاعات واسعة من النخبة الأمريكية لمطالبة إدارة بوش بإعادة النظر بسياستها، واضطرت الإدارة الأمريكية تحت تأثير الضغوط التي سببتها حملات الأحزاب العربية للتضامن مع الأنظمة والقوى الوطنية، إلى تنظيم حملات علاقات عامة لتحسين صورتها حيث أبرزت استطلاعات معهد «بيو» الأمريكي أن شعبية الولايات المتحدة تدنت إلى ما دون 10% في كل الأقطار العربية رغم حملات الإعلام الكثيفة ورغم العدد الكبير من الكتاب والمثقفين أمثال ميشيل كيلو الذين اعتادوا الدفاع المباشر وغير المباشر عن السياسة الأمريكية.

• الملاحظة الرابعة، تحدث كيلو، وهو الذي يمثل نفسه فقط،عن الأحزاب العربية التي اجتمعت في دمشق لدعم سورية ولبنان بازدراء، وقال إن هذه الأحزاب لا تمثل شيئاً، فهل حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن الذي يملك أكبر كتلة نيابية رغم القانون الانتخابي الجائر لا يمثل أحداً، هل الأحزاب المغربية التي سيرت المظاهرات المليونية تضامناً مع فلسطين واستنكاراً لغزو العراق لا تمثل شيئاً، هل حزب الله الذي يملك كتلة نيابية كبيرة وقادرة على تحريك مئات الألوف دعماً لمواقفه لا يمثل شيئاً، هل حركة حماس التي فازت بالانتخابات وكانت جزءاً من مؤتمر الأحزاب العربية الذي دعم سورية ولبنان لا يمثل شيئاً؟ على من تنطلي استنتاجات كيلو، وهل هو مقتنع أنه قادر على التأثير على أي مواطن عربي بمثل هذا المنطق؟.

• الملاحظة الخامسة، يقول كيلو إن الأحزاب العربية التي هبت للتضامن مع سورية صارت «جزءاً من الماضي» ولكن كيف لـه أن يقنع المواطنين الذين يصوتون للأحزاب المشاركة في هذا المؤتمر بأنهم أحزاب من الماضي، هل حماس من أحزاب الماضي وهي التي فازت بغالبية أصوات الشعب الفلسطيني في أحدث انتخابات جرت، هل حزب الله من أحزاب الماضي؟ إذن من هي أحزاب الحاضر والمستقبل، هل هي الأحزاب التي تصنعها الولايات المتحدة، وما الذي فعلته هذه الأحزاب من أمثال أحزاب برويز مشرف في باكستان، وإياد علاوي في العراق وأحزاب أفغانستان المتعاونة مع الأميركيين، أم هي أحزاب «الثورات البرتقالية» التي ولدت وهي غارقة بالفساد والعمالة لأمريكا، فهل هذه هي أحزاب المستقبل التي يدعو إليها كيلو؟

شام برس إلى أعلى

فياغرا ....... ومرافقة...... ويا نيالنا .. بقلم : بسام طالب

استهلك الشعب السوري أربعة ملايين ومئتي ألف حبة فياغرا العام الماضي، أي كل أربعة مواطنين تقريباً كانت حصتهم حبة فياغرا، وإذا أحسنّا الظن بالشعب واعتبرنا أن ذلك كله بالحلال، أبعدنا الله وإياكم عن الحرام، فمعنى ذلك أن الشعب مبسوط وما شاء الله عليه.

أما كل نقة وسقة عن الغلاء وأسعار البيوت والسيارات وقانون الأحزاب والجبهة الوطنية التقدمية ومجلس الشعب فهو بطر ببطر.

وإذا قال قائل أن المسألة كلها تفشيش بتفشيش، نقول له: لأ سيدي، الشعب مبسوط سواء كان ذلك تفشيشاً أم غير تفشيش، وخزيت العين فالمطاعم من تصنيف نواصة إلى تصنيف عشر نجوم مكتظة بالزبائن، ولا تجد موطئاً لقدم في الحدائق والفسحات العامة، كله يتسيرن وينبسط ويتسلى ويسهر الليالي ويتابع أخبار ستار أكاديمي، ويعرف عن فادي وهناء وشيماء، أكثر مما يعرف عن مجلس الشعب واجتماعات مجلس الوزراء، ويعرف عن آخر عملية نفخ لهيفاء وآخر عملية شفط لنجلاء أكثر مما يعرف عن الوزراء والمدراء والخفراء.

ويتابع محطات روتانا و" two " و " one "، ولا يعرف شيئاً عن محطاتنا الفضائية والأرضية وبرامجنا الإذاعية وصحفنا ومجلاتنا الرسمية والخاصة، ولولا النشرة الجوية والكلمات المتقاطعة والأبراج لكانت نتائج متابعي التلفزيون العربي السوري والإذاعة والمجلات والصحف الرسمية والخاصة مخجلة جداً.

الشعب يروح ويجي ويسهر، وبعضه يخمر وبعضه يقوم آناء الليل وأطراف النهار، دور العبادة مليئة بالمصلين ودور اللهو مليئة بالساهرين ومو ناقصنا غير رضى الحكومة علينا.

وكيما يكتمل سرورنا وانشراحنا وانبساطنا، صار عندنا ثماني شركات خاصة للمرافقة وللحراس الشخصيين " البادي غارد " ولحماية المصارف الخاصة وبعض المنشآت الأخرى.

وبذلك صار بإمكانك عزيزي المواطن، إذا كنت غيران من شي مسؤول أن تستأجر كم بادي غارد وتجعلهم يسيرون أمامك ووراءك ويفتحون لك باب السيارة وباب الطيارة ويرفعونك على سرج الحمارة، لكن المشكلة إذا لم يكن عندك لا بيت ولا سيارة ولا حتى حمارة.

ورغم ذلك فالحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، فياغرا عندنا، مولات " مراكز تسوق " عندنا، ملاعب غولف عندنا، مواقع للدردشة والتسلية وقلة الحياء عندنا، موبايلات وبلوتس ورسائل وصور إباحية عندنا، حراس شخصيين عندنا، ولم يعد ينقصنا سوى أن ترخص اللحمة والسمنة والزيت والسكر والشاي والمتة والرز والسيارات والبيوت والضرائب وكل ما يباع ويشترى.

لم يعد ينقصنا سوى كم مسؤول يحس بنا وبسخامنا ويرأف بحالنا وأحوالنا، لكن أكثر ما يفقع مرارتنا هو ذاك المسؤول الذي يضحك من أعماقه على كلامنا ويغيظنا بأنه مسرور حتى من انتقاداتنا.

لم نعد نريد هامشاً أوسع لحريتنا، ولانريد ديمقراطيات محلية ولا مستوردة ولا أحزاباً جديدة أو مجددة، وسنترك كل هذه المهمام الجسام لبعض مندوبينا في مجلس الشعب، الذين ما شاء الله حولهم وحواليهم وحصنّهم الله بشبة وخرزة زرقاء، كيف يفنون أعمارهم وأعصابهم وأوقاتهم في خدمة شعبنا الصامد الصابر، الناكر للجميل...؟

أعطونا يا جماعة خبزنا، كفاف يومنا، وخذوا الخيار كلو، على رأي عادل إمام.

وخير ما نختم به قول الشاعر:

ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني               كبداً ليست بذات قروح.

الدبور-خاص بشام برس إلى أعلى

ثقافة القمع والتخوين

بقلم: علي العبد الله *

أخبار الشرق - 19 آذار 2006

نفذت قوى المعارضة السورية يوم 9 آذار الجاري اعتصاماً رمزياً، في ذكرى إعلان حالة ‏الطوارئ يوم 8 آذار 1963، أرادت منه التذكير باستمرار فرض حالة الطوارئ منذ أكثر من ‏أربعة عقود، حيث تجمع مئات النشطاء جاؤوا من عدة محافظات سورية أمام القصر العدلي ‏‏(القضاء) في العاصمة السورية دمشق، وقد حمل عدد منهم قطعا كرتونية متوسطة الحجم كتب ‏عليها شعارات مثل "لا لحالة الطوارئ" و"لا للاعتقال السياسي" و"لا للتفرد بالسلطة"، هي ‏مطالب هذه القوى، ومذيلة بتوقيع اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق.

غير أن السلطة السورية التي لا تجيد إلا لغة القمع والبطش بالمعارضين لم تتقبل أو تتحمل ‏هذه "الجرأة" و"الوقاحة" فاستعدت، منذ علمت بأمر الاعتصام، بتجريد حملة بعثية مكونة من ‏مئات من طلبة الجامعات مزودين بالعصي والأعلام وصور رئيس الجمهورية ومدعمة بقوى ‏الأمن والشرطة لتوجيهها وتحريضها إذا فترت همتها وحماستها.

لم تكتف التجريدة البعثية بالهتاف المعبر عن الثقافة السياسية التي تتبناها السلطة والمتمركزة ‏حول عبادة الفرد (الرئيس) من نوع بـ"الروح بالدم نفديك يا بشار" إلى "الله .. سورية .. بشار ‏وبس" مرورا بـ"سورية الله حاميها" بل اندفعت باتجاه تجمع نشطاء المعارضة وحصرته في ‏مساحة ضيقة، وتابعت الضغط حتى اضطرت هؤلاء النشطاء إلى التفرق على شكل مجموعات ‏صغيرة منفصلة، ثم انهالوا، بتوجيه من عناصر الأمن، عليهم بالضرب بالعصي والصراخ في ‏وجوههم ليس فقط بشتائم مقذعة بل وبتهم الخيانة والعمالة مثل "عملاء الأمريكان" و‏‏"يهود" .. الخ.

رد نشطاء المعارضة على هتافات التجريدة البعثية بهتافات عبرت عن شعارات المعارضة ‏وثقافتها البديلة مثل بـ"الروح بالدم نفديك سورية" و"الله .. سورية .. حرية .. وبس" دون أن ‏يردوا على الضرب بالعصي، حيث أكتفوا بالإمساك بها وتحطيمها ورميها على الأرض، تأكيداً ‏لسلمية نضال المعارضة الديمقراطية. ‏غير أن صمود نشطاء المعارضة وبقائهم في الساحة وهتافاتهم المضادة لم يرض عناصر ‏الأمن المكلفة بتوجيه التجريدة البعثية وإدارة عملية تحطيم الاعتصام، فبادرت إلى اعتقال عدد من ‏نشطاء المعارضة (عُرف منهم شوكت غرز الدين وعدنان أبو عاصي وأيهم بدور).

كانت قوى المعارضة السورية منذ سنوات قد بدأت برفع الصوت في مواجهة السياسات ‏القمعية التي شرّعتها السلطة السورية بفرض حالة الطوارئ بعد الانقلاب العسكري الذي جاء ‏بحزب البعث الحاكم إلى السلطة، مطالبة برفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم ‏الاستثنائية وإنهاء الاعتقال السياسي وحل مشكلة المنفيين والمفقودين (نشرت اللجنة السورية ‏لحقوق الإنسان قائمة أولية للمفقودين السوريين الذين لم يعُرف مصيرهم بعد اعتقالهم من قبل ‏أجهزة الأمن السورية احتوت على أكثر من 6000 اسم) ومشكلة الحرمان من الجنسية الذي لحق ‏بعشرات آلاف الأكراد السوريين بموجب الإحصاء الاستثنائي الذي أجري في محافظة الحسكة ‏يوم 5/10/1962، وتكريس العدل والمساواة بين المواطنين باعتماد المواطنة والديمقراطية في ‏ظل دولة الحق والقانون التي تستدعي استعادة عمومية الدولة السورية بتحويلها إلى دولة كل ‏المواطنين، باعتبار هذه المطالب مقدمات ضرورية لتطبيع الحياة الوطنية السورية على طريق ‏تحقيق الاندماج الوطني وبناء سورية حرة ومزدهرة مواطنها حر وكريم.

السلطة، التي أغلقت سمعها ورفضت التعاطي بجدية وإيجابية مع هذه المطالب التي ‏تضمنتها بيانات وعرائض وتصريحات قيادات المعارضة ورموزها ومقالات مثقفيها طوال ‏سنوات الألفية الثالثة، من جانبها جرّدت حملات أمنية ومنعت بالقوة أعتصامات المعارضة في ‏ذكرى إعلان حالة الطوارئ (8/3) ويوم المعتقل السياسي السوري(21/6) وذكرى الإعلان ‏العالمي لحقوق الإنسان (10/12) طوال سنوات 2002 و2003 و2004. وأضافت في عام ‏‏2005 إلى أدوات قمعها التجريدة البعثية من طلبة الجامعات المسلحة بالعصي والشتائم والتُهم ‏بالخيانة، وهي ظاهرة ذات دلالة تعكس انتهاك سلطات الدولة، باعتبارها قوة حماية المجتمع ‏ورعاية السلم الأهلي، من قبل السلطة الحاكمة التي سمحت باعتداء مواطنين على مواطنين ‏آخرين ليس فقط تحت ناظريها بل وبتوجيه منها، وهي خطوة تدفع المجتمع السوري إلى أتون ‏مواجهة داخلية غير محمودة العواقب تضّحي به وباستقراره الاجتماعي من اجل المحافظة على ‏هيبة النظام الشمولي وبقاءه واستقراره.

في ضوء سيادة هذه الثقافة السياسية وممارستها من قبل السلطة السورية دون هوادة ولعقود ‏والأضرار والمآسي الكبيرة والبارزة التي أفرزتها والتي جعلت المجتمع السوري يواجه مشكلة ‏قطيعة بين المجتمع والسلطة من جهة وغياب الاندماج الوطني من جهة ثانية، ما جعل المهمة ‏الرئيسة للشعب السوري وحركته الديمقراطية، استعادة الشرعية الدستورية وتطبيع العلاقات في ‏الحياة الوطنية بتكريس سيادة القانون وتحقيق اندماج وطني في دولة العدل والمساواة، ‏والتأسيس لوحدة وطنية حقيقية، تختلف عن وحدة السلطة القائمة على صمت المواطنين ‏المذعورين والمستسلمين التي تشبه وحدة الأموات، عبر حوار وطني شامل يهدف إلى إقرار ‏تفاهم حول المستقبل والسعي إلى إقامة دولة الحق والقانون على طريق قيام نظام ديمقراطي ‏والتأسيس لعقد وطني جديد. في ضوء ذلك توقعت قوى المعارضة الديمقراطية السورية من ‏مؤتمر الأحزاب العربية الذي عقد في دمشق من 4 إلى 6 آذار الجاري الجدية والإخلاص ‏ومواجهة المشكلات التي تعاني منها الدول العربية وفي مقدمتها سورية، والتعامل معها بعمق، ‏ووضع المسؤولين أمام استحقاقاتها بوضوح، وان لا تكتفي بالتركيز على الخطر الخارجي ‏وتسكت وتبرر كل الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة العربية بحق شعوبها، وان لا تتبني خيارات ‏سلطة مستبدة وفاسدة وجدول أعمالها وأجندتها، وتضرب عرض الحائط بمطالب المجتمع ‏السوري وقواه الوطنية الديمقراطية والادعاء إنها قوى تعمل لصالح الشعوب العربية في نفس ‏الوقت. لقد توقعت المعارضة الديمقراطية السورية من مؤتمر الأحزاب أن يطالب برفع حالة ‏الطوارئ والأحكام العرفية وفتح الحقل السياسي أمام المواطنين على طريق إقامة حياة ‏ديمقراطية.لكن وللأسف الشديد، فإن مؤتمر الأحزاب العربية مارس التضليل في توصيف ‏الواقع والرياء في التعاطي مع السلطة السورية، وقدم وصفات للفشل السياسي، الوطني ‏والقومي، عبر حرف الأنظار عن مكامن الداء ومنطلق الحل الصحيح ووضع تقديرات موقف ‏مصطنعة وسلم أولويات مبني على الأوهام. إلى أعلى

بين العروبة والقومية

تعبير "القومية" بشكل عام اختلطت فيه مضامين عديدة في التاريخ الحديث والمعاصر، مضامين عنصرية أحياناً أو مضامين معادية للدين أو للديمقراطية أحياناً أخرى...

كذلك "القومية العربية" فقد تَشَوّه استعمالها من قبل بعض الحركات السياسية العربية المعاصرة...

بينما كلمة "العروبة" تحدد نفسها بنفسها، فالعروبة تشمل خصوصيتها وعمومية تعريف القومية، في حين أن استخدام تعبير القومية الآن لا يؤدي غرض معنى العروبة نفسها.

العروبة هي تعبير عن الانتماء إلى قومية محددة، لها خصائص وخصوصيات تختلف عن القوميات الأخرى حتى في دائرة العالم الإسلامي.

الدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية- ثقافية، بينما الدعوة إلى القومية العربية اتسمت بالحركية السياسية.

الانتماء إلى العروبة يعني التسليم بالانتماء إلى أمة واحدة يجب أن تُعبّر عن نفسها مستقبلاً بشكل من أشكال التكامل أو الاتحاد بين أبنائها.. بينما "الوحدة" قد تتحقق بحكم الفرض والقوة.. أو بحكم المصالح المشتركة (كما حصل للحالتين في نماذج أوروبية مختلفة) دون أن تكون الشعوب منتمية بالضرورة إلى أمة واحدة. فالدعوة ل"الوحدة" ليست معياراً لوجود العروبة بينما العروبة تقتضي حتماً التعبير السياسي عن وجودها بشكل إتحادي ما.

"الهوية الثقافية العربية" كانت موجودة كلغة وثقافة قبل وجود الإسلام، لكنها كانت محصورة بالقبائل العربية وبمواقع جغرافية محددة.. بينما العروبة –كهوية انتماء حضاري وثقافي- بدأت مع ظهور الإسلام ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وبنشر الدعوة بواسطة رواد عرب..

فالعروبة هي معنى لإضافة حضارية مميزة أصبغها الإسلام على الهوية العربية (كثقافة ولغة) نتيجة الترابط بين الإسلام وبين الوعاء الثقافي العربي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

هكذا أصبحت "العروبة الحضارية" هي الثقافة العربية ذات المضمون الحضاري الذي جاء به الإسلام ثم أشترك في صيانته ونشره مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب، وبالتالي خرجت الهوية الثقافية العربية من دائرة العنصر القبلي أو الإثني، ومن محدودية البقعة الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) إلى دائرة تتسع في تعريفها ل"العربي"، كل من يندمج في الثقافة العربية بغض النظر عن أصوله العرقية. ودخل في هذا التعريف معظم من هم عرب الآن ولم يأتوا من جذور أو أصول عربية من حيث الدم أو العرق. ويؤكد هذا الأمر تاريخ العرب القديم والحديث من حيث اعتبار الأقليات الدينية في المنطقة العربية نفسها كجزء من الحضارة الإسلامية، ومن حيث تفاعل الأقليات الإثنية مع الثقافة العربية.

المشكلة الآن، هي في بعض القوى القومية العربية التي لم تدرك بعدُ (لا فكراً ولا ممارسةً) أنَّ القومية العربية هي حالة انتماء وليست مضموناً فكرياً وسياسياً قائماً بذاته. أي لا يكفي القول "إنني قومي عربي" لأحسم موقعي وموقفي الفكري من قضايا لها علاقة بالدين والديمقراطية وبالواقع العربيّ الراهن والصيغ الدستورية للحكم.

ولعلّ تجربة "حركة القوميين العرب"، في حقبة الستينات من القرن الماضي، خير مثالٍ على ذلك، حيث انقلبت هذه الحركة القومية على ذاتها عقب نكسة عام 1967 وخرجت منها مجموعة فصائل متصارعة تبنَّت بأكثريتها (رغم الصراعات فيما بين أجنحتها) الماركسية/اللينينية وخلعت "الثوب القومي" مستغلّةً ظروف هزيمة 67 لإشهار ماركسيتها ورفضها الفكري للمنطلق القومي، فاختارت أسماء جديدة لا تمتُّ بصلةٍ إلى الحركة القومية.

حصلت أيضاً حالة شبيهة في حزب البعث بشكلٍ عام، حيث تذبذب فكر هذا الحزب من شعاراتٍ عامّة فارغة المضمون (راجع محاضر محادثات الوحدة الثلاثية عام 1963 الصادرة عن دار "الأهرام")، إلى تبني مناهج فكرية متناقضة، بعضها عروبيّ مؤمن والبعض الآخر منها ماركسي علماني، لكنْ دون حسمٍ فكريٍّ واضح وفي ظلّ صراعات سياسية وحزبية داخلية أفرزت أجنحةً متكسِّرة ومتصارعة في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان، وداخل منظماتٍ فلسطينية مسلّحة.

وكان معظم هذه القوى المتحدِّرة من أصول "حركة القوميين العرب" و"حزب البعث" في حال عداءٍ علنيّ مع قائد التيار القومي العربي جمال عبد الناصر حتى لحظة وفاته في أيلول/سبتمبر 1970.

إن وفاة جمال عبد الناصر، وقبلها هزيمة عام 1967، وقبل هذا وذاك: ضعف البناء الفكري والسياسي والتنظيمي لتيار القومية العربية مقابل قوّة دور "المخابرات" وسط هذا التيَّار.. هي جميعها بلا شك عناصر أسهمت في ضعف التيَّار القومي العربي نفسه لعقودٍ لاحقة، لكنَّ ذلك لا يلغي مسؤولية من كانوا في مواقع الحركات السياسية القومية المُشار إليها آنفاً.

وخلال العقود الثلاثة الماضية، تفاعلت قضايا عديدة في المنطقة والعالم، كانت بمعظمها تحمل نتائج سلبية على التيار القومي العربي فتنقله من كبوةٍ إلى كبوة حتى تحوَّلت الكبوة إلى غفوة، وما زال هذا التيَّار مستغرقاً فيها !!

كلّها عوامل امتزجت كسلبيّات مع انجذابٍ الشارع العربي إلى ظاهرة "التيَّار الإسلامي" الذي لم يكن أيضاً مؤهلاً فكرياً وسياسياً وتنظيمياً لقيادة الشارع العربي بشكل سليم ونحو أهداف سليمة وبأساليب سليمة.

واختلط عمل الحركات السياسية الإسلامية مع الحركاتٍ العنفية التي شوَّهت في ممارساتها العنفية صورة الدين الإسلامي والمسلمين والعرب عموماً.

وكما كان الطرح الفكري للعديد من الحركات القومية العربية عاجزاً عن استيعاب خصوصية العلاقة بين العروبة والدين، ومهملاً في ضرورة تبني النهج الديمقراطي بالأهداف والوسائل، كذلك كان – ولا يزال- العديد من الحركات الإسلامية قاصراً عن فهم وتطبيق هذه المسائل.

إذن، هي أولاً كانت ظروف صعبة للفكر القومي أو التيار القومي، وهي الآن ظروف صعبة للتيارين القومي والإسلامي معاً ولمن يتبع أيّاً منهما، فعسى أن يخرج من هذه المعاناة المشتركة، فكر عروبي ديمقراطي يحل مشكلة التيارين معاً ويكون بداية لنهضة عربية جديدة.

صبحي غندور            

2006-03-20   (مقالات خاصة)

إلى أعلى

بشار الأسد يغوص في وحل الرمال المتحركة .. كلما تحرك غاص أكثر

2006-03-20   (سياسة)

النظام السوري و تحديدا بشار قد غاص أكثر بوحل اغتيال الحريري بعد الطلب علنا بمقابلة الرئيس شخصيا من قبل لجنة التحقيق الدولية خلال شهر نيسان القادم.

و حقيقةً كل الخيارات المتاحة للنظام السوري صعبة و مرّة. فإن رفض التعاون كاملاً من لجنة التحقيق فهذا سيقرّب من احتمالات فرض العقوبات بحجة عدم تعاون السوريين مع التحقيق والامر سينتظر فقط الظروف المواتية للاعبين الكبار بالمجموعة الدولية كي يقرروا الوقت المناسب بعد ان تفرغ السلة السورية مما يمكن ان تقدمه من التنازلات الهامة. أتمنى شخصيا ان تكون العقوبات فردية على المشتبه بهم كي لا يتضرر الشعب السوري اكثر.

واذا ما فرضت العقوبات كما هو متوقع اجلاً او عاجلاً فستصبح الاجواء مقلقلة و الغيوم ملبدة و اركان النظام مهددة خاصة من قبل من يفكر بالقيام بما يسمى حركة تصحيحية بحجة تخليص البلد من العقوبات ومن الفساد و تقديم المتهمين للعدالة الدولية.

مشكلة النظام السوري مع خدام انه لا يستطيع الان السيطرة عليه فهو يقيم في فرنسا بعيدا عن ايدي الاجهزة الامنية و التي يصعب عليها ان تطاله كما فعلت مع صلاح البيطار بالثمانينات و السبب في هذا ليس ضعفها و لكن المخاطر التي يمكن ان تنجم من عملية المساس به على الارض الفرنسية فلو عرف الجناة و تحدثوا عمن ورائهم فسيسقط النظام و بالجرم المشهود هذه المرة و دون الحاجة للجنة تحقيق دولية.

وإذا ما تعاون بشار مع لجنة التحقيق, وهو أبعد الاحتمالات, وواجه الأدلة المجموعة ضده شخصياً فهو يواجه احتمال ان يسلم نفسه مع عدداً من ضباطه المقربين على رأسهم صهره وأخوه الصغير الى محكمة دولية مقرها نيويورك ليواجه مصيراً مشابهاً لصدام حسين.

هل سيستطيع الثلاثي بشار، ماهر، آصف و باقي أصحاب النفوذ و المصالح الثبات في ظل عقوبات خارجية و فساد و احتقان داخلي؟ هذا هو السؤال الهام و اعتقادي ان الجواب يأتي من قدرتهم على الاستمرار بضمان ولاء الجيش واجهزة الاستخبارات و من ارادة التغيير التي تمتلكها الدول الكبرى و مقدار المساعدة التي تنوي أن تقوم بها لمن يفكر بالتغيير.

الجميع الان خائف مما يمكن ان يفعله النظام السوري خاصة اذا ضاقت السبل به ووجد حبل المشنقة يلتف اكثر حول عنقه و لعل اكثر الخائفين الان هو وليد جنبلاط الذي يحاول ان يقوم بأي شي كي يرى النظام السوري منهارا قبل ان يتمكن هذا الأخير من الاقتصاص منه.

البعض يعتقد بأنه على الرغم من القمع و الفساد و الاستبداد إلا أن النظام يملك سياسة خارجية توصف بالمقبولة مقارنة مع غيره من الأنظمة العربية المنبوذة كاليمن وليبيا والسودان. و لكن حتى و لو سلمنا بهذه الفرضية فان هذا الكلام لا يقنع العاقل ان على الشعب السوري ان يتحمل الفقر و السرقة و الرشوة و التسلط للأبد علاوة على ان هذه الأوضاع لا و لن تساعد على استعادة ارض لا بالحرب و لا بالسلام و حين يتم التفاوض يستطيع هذا الاخير ان يرجع لشعبه و يستفتيه اما الشعب السوري المسكين فلا ناقة له و لا جمل بأمور وطنه ثم ان النظام قد اخذ فرصته كاملة على مدى أكثر من أربعين عاما لم تجني سوريا منها سوى التخلف و هروب خيرة أبناء شعبها للبحث عن لقمة عيش كريمة او حرية مفقودة.

إلى أعلى

جبهة الخلاص الوطني ...المحطة الأخيرة في قطار التغيير

لا أقول غير جاهلون هؤلاء الذين لم يقرأوا المشروع الوطني للتغيير وبرد فعل الإستبداد وبارتباكه وبسرعة الخائف عليه ,يطلقون التقييم الأتوماتيكي على الحراك السياسي لدى أطراف المعارضة السورية التي بدأت تتسرع وتيرته بحكم القلق الكبير والخوف من المجهول الذي ينتظر سورية , مبرمجون على الإستبداد ومتسرعون لاهون بالشعب ومصيره , مستهترون بالوطن , عابثون بإرادة الإنسان , مشوهون للعمل الديموقراطي الذين ينادون به ليل نهار في أروقة وأزقة الفكر البائس السلبي المقرف الهزيل , سورية شبعت من طوفان هذا الهذيان , والشعب أصابته التخمة من هذا الإجترار لحد الغثيان ,عجيب أمر هؤلاء الذين هم جاهزون على الدوام وكرماء يتبرعون لخدمة الإستبداد والفساد الفاقد لتوازنه وهم معه مستمرون باللف والخوف من التغيير الوطني القادم والذي بدأت رياحه تطرق البوابات الداخلية للنظام , فهل من يعقل بحكم غريزة البقاء ويضبضب مابقي من حقائبه ويهرب قبل أن تغلق أمامه كل الأبواب ؟ ! ليس هناك وقت للندم ! والوصف البسيط للنظام هوالذي سنسمعه قريبا ً وهو يردد في قفص الحساب آخر فصل ٍ من فصول ( الجريمة والعقاب ) .

سورية في خطر وإحدى ملامح الإحساس الواضح والعملي به هو ولادة جبهة الخلاص الوطني في هذه اللحظة المخيفة من تاريخ الشعب والبلاد وتعبيرا ً عن الإيمان بالنهج الديموقراطي الذي ينادي به الجميع وتمسكا ً بصيغه وبالحوار المفيد المنتج واحترام إرادة الآخرين وإيمانا ً بتطوير العمل الوطني الذي هو عمل تراكمي إلى مستوى خطورة الظروف الحالية ووصولا ً إلى وحدة العمل الوطني ووضوحه والحفاظ على الهدف السامي وهو إنقاذ سورية من محنتها التي وصلت أخطر أطوارها يتوجب على العاقلون والديموقراطيون والجميع من كل التصنيفات والحريصون على سورية أن يتفاعلوا جميعا ً ويعملوا في أو مع الجبهة , الوجه الحقيقي للوطن وينتقلوا من الكلام إلى الفعل لإسقاط الإستبداد والقضاء على الفساد وإنقاذ سورية من الدائرة الملتهبة التي أوصلها النظام لها وإطفاء الحريق الذي أشعله النظام طويلا ً لإحراق سورية كلها بمن فيها ! .

جبهة الخلاص الوطني هي ليس قفزة من الفراغ في الهواء بل هي أشبه بتفاحة ( نيوتن ) التي أوصلته إلى أعظم اكتشاف علمي, الكثيرون غير(نيوتن )أكلوها وأفرزوها أو أزاحوها من طريقهم أو داسوها بأقدامهم ومروا بالقرب من شجرتها مرور البسطاء والبلهاء التائهين. الحقيقة والولادة في أبسط أشكالها هي معايشة للواقع وتحسس تناقضاته وفهم حركته ومعاناة همومه ومشاكله وحرصا ً على تجاوز سلبياته وتصحيحا ً لانحرافاته ورفضا ً للظلم والظلام وامتهان كرامة الإنسان وتحديد الإتجاه الصحيح والطريق المستقيم والتحرك في اللحظة المناسبة نحو المستقبل الآمن للجميع .

هي ليس قفزة من الفراغ في الهواء بل هي أشبه بتفاحة ( نيوتن ) التي أوصلته إلى أعظم اكتشاف علمي, الكثيرون غير(نيوتن )أكلوها وأفرزوها أو أزاحوها من طريقهم أو داسوها بأقدامهم ومروا بالقرب من شجرتها مرور البسطاء والبلهاء التائهين. الحقيقة والولادة في أبسط أشكالها هي معايشة للواقع وتحسس تناقضاته وفهم حركته ومعاناة همومه ومشاكله وحرصا ً على تجاوز سلبياته وتصحيحا ً لانحرافاته ورفضا ً للظلم والظلام وامتهان كرامة الإنسان وتحديد الإتجاه الصحيح والطريق المستقيم والتحرك في اللحظة المناسبة نحو المستقبل الآمن للجميع .

لعل بعضا ً من ملامح جبهة الخلاص الوطني هومسيرة المعارضة السورية الوطنية الطويلة في صراعها مع الإستبداد , وتبني النهج الديموقراطي التعددي ملامح أخرى من التطور في

الوعي الوطني,ورفض التدخل الخارجي والإعتماد على التغييرالوطني المستقل عن تقاطع المصالح المضرة بالبلاد ,ووحدة المعارضة في الداخل والخارج البعض الآخر الذي عبر عنه إعلان دمشق , والجديد العملي والمفيد هوالتوافق والإجماع على البرنامج التنفيذي للمشروع الوطني للتغيير الذي جاءت به جبهة الخلاص الوطني الذي يحدد الألية العملية المرنة والآمنة لنقل سورية من الإستبداد إلى الديموقراطية وتجنيب البلاد الفوضى والتمزق ,الخيار الوحيد الذي يصرالنظام على السير فيه لتعميم خوفه على الجميع.

إن بعض السهام الطائشة والخائفة والمحكومة بدرجة عدم حبها للوطن بل الحقد عليه لن تستطيع أن تخترق الرداء الوطني لجبهة الخلاص , والبعض الآخر المحشور في المكان والزمان وفقدان الأمن والأمان والذي جاء نقده لجبهة الخلاص الوطني اقرارا ً بصحة نهجها وسلامة برنامجها ووضوح هويتها , وبعض الذين فتح لهم النظام دكاكين للسلبية والإنحراف عن القيم الوطنية والعبث بمصير شعب ووطن هم نفسهم الذين حاصروا بعقدهم خاسرين ( إعلان دمشق ) وحاولوا فاشلين أن يجعلوا منه مناظرة لغوية نحوية بين نقاط وفواصل وحروف وكلمات ليحرفوه عن الطريق الذي رسمه , كل هذا لم يمنع من أن يكون الإعلان مساهمة جدية في الحراك السياسي الوطني ودفع مهم له في الطريق الوطني الصحيح .

على أن المشاركين في تأسيس جبهة الخلاص الوطني كانت أولى أهدافهم هي التصدي للنهج الفردي المستبد قيما ً ونهجا ً وسلوكا ً إقصائيا ً أوصل سورية إلى هذا الحضيض وتأسيس البديل الوطني الديموقراطي الذي يحتاجه الجميع ! ومسكين الذي يدعي القدرة على التنظيرولم يدرك بعد أن خطورة اللحظة لم تعد تحتمل مثل هذه السطحية في معالجة الأمور , ومسكين أكثر الذي يريد أن يذهب الآخرين إلى غرفة بيته ليكون اللقاء ممكنا ً,وجامد ومتخشب من الذي يقف مراوحا ً في عقدة معينة في مسيرة العمل الوطني , وأحادي التفكير والنظروأقرب إلى الفردية وطقوسها من يحاول أن يحصر الكل في الجزء , وأعان الله من يركب على حصان خشبي ويريد أن يشارك في سباق مع الزمن والإستبداد ,وأعان الله أيضا ً الإنسان الذي توصله الأقداروتعاسة الظروف إلى موظف ( إنساني ) مصاب بكل أمراض الإستبداد والحب العذري للديموقراطية المسكينة هي الأخرى !.

بقي أن نقول : سورية اليوم تنادي بصوت مختنق كل أبنائها الحقيقيين الشرفاء والمخلصين ,وهذا يفرض عليهم الإرتقاء إلى مستوى إنعاشها وتخليصها من أيدي الإستبداد الذي يضغط بأيدي خائرة على رقبتها , تنادي الجميع بالوحدة تحت سقفها وأن يبتعدوا عن التناحر والتصادم الذي يضعف الجميع ويخدم الإستبداد , وأن نقطع الطريق على الذين يساهمون بشكل ٍ أو بآخر على أن يجعلوا من هذه المحطة أو تلك في مسيرة المعارضة الوطنية تابوتا ً لقبر سورية ! .

جبهة الخلاص الوطني تريد وستعمل وتدعو الجميع لإنقاذ سورية من عبث الكثيرين وهي أكبر من الفرد والأفراد والجميع ,وأن الأصوات السوداء التي تحاول أن تصبغ الوليد الجديد بلونها البغيض المرفوض من الخط الوطني تقف عارية ً أمام الجميع .

الديموقراطية أولا ً والحكمة ثانيا ً والحوار ثالثا ً واحترام إرادة الآخرين رابعا ًوالتأني في إصدار الأحكام خامسا ً والإستعداد للتفاعل سابعا ً ورفض التلوين ثامنا والتمسك بالإنتماء لسورية تاسعا ً والشجاعة والتضحية عاشرا ً , الشعب يتطلع إلى طي صفحة الإستبداد أولا ً وأخيراً وإعادة سورية وطنا ً حرا ً لكل أبنائه .

د. نصر حسن

مركز الشرق العربي - 20/03/2006

إلى أعلى

في السياسة الواقعية والمواقف المبدئية

2006-03-20   (عناوين الأخبار)

كجميع السوريين الذين يميلون بعواطفهم إلى المعارضة لأنهم أقل ما بقال سئموا من السلطة القائمة ومن مارساتها، كنت أتابع خلال الفترة الأخيرة آخر الأخبار المتعلقة بالمعارضة السورية داخل وخارج الوطن. وكان أهم ما توقفت عنده ولاحظه الجميع طبعاً، حدثان في منتهى الأهمية.

الحدث الأول يتحدث عن لقاء بروكسيل الأخير الذي ضم السيد خدّام (المنشق عن السلطة السورية) والسيد البيانوني (المرشد العام للأخوان المسلمين في سورية) وبعض أطياف المعارضة الليبرالية في الخارج، والذين أعلنوا عن تشكيل "جبهة للإنقاذ الوطني" وتعهدوا بتشكيل حكومة منفى خلال فترة قريبة. و...

الحدث الثاني الذي هو موقف معظم أطياف "جماعة إعلان دمشق" الذين يمثلون المعارضة اليسارية وقسم من المعارضة الليبرالية في الداخل وعلى رأسهم المناضل رياض الترك وجماعته، والذين ما زالوا لأسباب "مبدئية" يرفضون اللقاء بخدام وبالتالي، أبدوا تحفظهم للقاء الإخوان المسلمين معه. أقول...

أولاً: أني وإن كنت أتفهم المبررات "المبدئية" لعدم اللقاء بخدام إلا أني، ولأسباب "سياسية" كنت أفضل اللقاء معه لأنه يمثل بكل ما في الكلمة من معنى الجناح المنشق عن السلطة والذي لا بد من التحالف معه بالنسبة لكل من يطمح إلى أي تغيير سلمي ومباشر في البلد.

ثانياً: لأني، وإني إن كنت أتحفظ ولم أزل أتحفظ على ما يمثله الأخوان المسلمين "من أصولية كامنة" رغم مظهرهم الديموقراطي الحالي. إلا أني أتفهم موقفهم في اللقاء بخدام (وبالتالي لقاء خدام معهم) من منطلق أن كلا الطرفين يمارس السياسة وفق مفهومها الذرائعي السائد من جهة. وكلا الطرفين، من خلال ما يمثل من مصالح و"قيم"، يسعى لأن يكون جزئاً إن لم نقل على رأس السلطة القادمة، ويطرح نفسه داخلياً وخارجياً بديلاً لها. لذلك، ولأني لا أفهم بالسياسة، وقد أصبحت اليوم غير ميال على الإطلاق للانخراط المباشر بها، فإني...

ثالثاً: أدعو المناضل رياض الترك وجماعته الذين هم أكثر من أحب وأحترم ضمن تركيبة المعارضة القائمة لأن يحسموا أمورهم بشكل قطعي فيقرروا:

- إما الحفاظ على موقفهم المبدئي الذي أفترضه رافضاً لكل "الأصوليات" و"الانتهازيات" فيهيئوا أنفسهم من الآن لأن يكونوا المعارضة المبدئية للسلطة القادمة كما لكل سلطة قائمة. وهذا هو المواقف الأجمل، وإن كان سياسياً يصنف ضمن باب الغباء السياسي. وهذا هو موقفي. أو...

- ممارسة السياسة كالجميع، والسعي لأن يصبحوا حزباً يسعى إلى السلطة وبالتالي، الانضمام إلى "جبهة الإنقاذ الوطني". وقد يكون هذا الموقف هو الوقف الأصح "سياسياً".

مع أطيب التمنيات بالتوفيق.

محبتي

أكرم أنطاكي

إلى أعلى

الفساد في سوريا ظاهرة سياسية بامتياز

2006-03-20   (عناوين الأخبار)

من الأخبار التي يتكرر سماعها في سوريا ويتداولها الناس شفاهة إقالة بعض المدراء العامين أو إحالة عدد من الموظفين الحكوميين إلى القضاء بتهمة الفساد.

وإذ جرت العادة أن يعلن رسميا عن مثل هذه الإجراءات، فلا يعرف اليوم ما المراد من الاكتفاء بمرور عابر على بعضها في زوايا الصحف الرسمية، ربما كي لا يستدل على المدى الذي بلغه تفشي الفساد وتردي روح المسؤولية في الدولة والمجتمع، أو ربما للتستر على السلوك الانتقائي في ملاحقة هذه الظاهرة وتقديم صغار الموظفين قرابين على مذبحها بينما يغض الطرف عن الفاسدين الكبار.

أو لعل القصد من ذلك اجتناب ترسيخ قواعد قانونية وقيم أخلاقية وتربوية ضد الفساد تغدو مع الزمن سلاحا بيد الناس في ملاحقة هذا الداء والحد من آثاره الخطيرة.

تتسم صور مكافحة الفساد في التاريخ السوري بأنها قرارات "فوقية" أشبه بهجمات تغدو أحيانا جدية، تشتد كلما اشتد المرض وكلما ازداد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد.

فكلنا يتذكر المناخات التي رافقت لجان التفتيش عن الكسب غير المشروع، ثم هيئات المحاسبة والسؤال من أين لك هذا. وأيضا لا تخرج عن هذا الإهاب الهجمة الواسعة التي طالت منذ أعوام نفرا غير قليل من كبار المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة المنتحر محمود الزعبي واثنان من وزرائه.

لكن هذه الهجمات لا تلبث أن تهدأ مع مرور الوقت لتعود الأمور إلى ما كانت عليه, وربما أشد وطأة, ونعود جميعنا إلى الاكتواء بنار الفساد وإلى حالة من الترقب والانتظار وأيضا الأمل في أن تتمكن هجمة جدية من توجيه ضربة قاصمة لهذه الآفة اللعينة.

لا يخفى على أحد أن الفساد منتشر في سوريا انتشار الفطر, وقد أصبح -مع الزمن- وباء مستشريا ينخر خلايا المجتمع كافة، وبشكل خاص مؤسسات الدولة ودوائرها.

وبما أن الفساد بعبارة بسيطة هو استغلال المنصب العام لخدمة المصالح والمنافع الشخصية، فإن انتشاره الواسع والكبير في سوريا يتناسب طردا مع كبر حجم الدولة واتساع دورها، وتاليا عمق تداخلاتها في إدارة المجتمع وأنشطته المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، متخذا صورا مختلفة وأشكالا متنوعة يعاد تجديدها وتطويرها -يوما بعد يوم- من قبل الفاسدين والمفسدين.

أولى تلك الصور الاستيلاء على المال العام عبر التلاعب في المشتريات وأعمال المخازن والمهمات، وأيضا المبالغة في أوجه الإنفاق الحكومي والإفراط في تخديم المسؤولين والوزارات والهيئات الرسمية مرورا بتمرير الاتفاقات والعقود لقاء عمولات خاصة ومجزية يقبضها القائمون على تنفيذها.

ويندرج أيضا التلاعب في إرساء المناقصات والمزايدات الحكومية على من يعطي أكثر، ومن ثم تلقي الرشاوى كي يتم غض النظر عن تجاوزات القانون أو لتسهيل حركة المعاملات في الدوائر الرسمية، ثم استخدام المركز الحكومي -تهديدا وابتزازا- لجني ما يمكن جنيه من أموال و"خّوات" من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والمتاجر.

يضاف إلى ذلك استغلال الصلاحيات العامة لفرض قنوات خاصة وآمنة لنمو السوق السوداء بمختلف "براويها" مثل صرف وترويج العملات الأجنبية وتهريب البضائع والسلع وتجارة الجنس والمخدرات.

كما ظهر مجال جديد للفساد رافق الانتخابات البرلمانية الأخيرة يتعلق بطرائق تمويل الحملات الانتخابية عبر المساهمات المالية لنفر قليل من أصحاب المصالح والنفوذ الاقتصادي وشراء أصوات المواطنين باستغلال عوزهم المعيشي.

وطبعا من يملك أنفا ذا حساسية طبيعية لابد أن تزكمه روائح مستنقع الفساد النتنة وفضائحه التي تمتد كأذرع الأخطبوط إلى أماكن ومواقع قد لا تخطر على بال أحد.

ومن الممكن أن نفهم ونفسر -وربما يبرر البعض- رشوة شرطي المرور مثلا أو معقب المعاملات الرسمية نظرا للشروط المادية التي يعيشها أمثال هؤلاء الموظفين الحكوميين بأجور لا تضمن الحد الأدنى من حاجاتهم والحاجات الحيوية لأسرهم، كالطعام واللباس والصحة والتعليم.

غير أن الأمر يغدو خطيرا ومثيرا للقلق والاشمئزاز في آن واحد عندما ترى كيف يستغل المنصب الحكومي لتمرير وإبرام صفقات غير مشروعة، وكيف تصبح السلطة وعاء لتجميع الثروة وتكديسها من خلال اقتطاع أو تحويل جزء من الأموال العامة لحساب هذه الشخصية الحكومية أو تلك دون اعتبار لمصالح الوطن والمواطن أو لخطط التنمية الاقتصادية العامة ومستلزماتها.

والأسوأ من كل ذلك عندما ترى كيف تصبح قيم الفساد أحد شروط اختيار الأفراد لتولي المسؤوليات، وكيف تغزو هذه القيم العقول والضمائر، فتغدو في الثقافة الشعبية مظاهر إيجابية تدل على الشطارة والحنكة والذكاء، في مواجهة القيم النبيلة -قيم الحق والشرف والنزاهة والعدل- التي يروج على أنها سمات الشخصية الضعيفة والساذجة وقليلة الحيلة.

وما يزيد الطين بلة حين يصل الفساد في سوريا إلى سلك القضاء، فيدك بذلك آخر معقل من معاقل الدفاع عن صحة المجتمع وسلامته.

وما ينفطر له القلب ويثير الشجون والألم، أن هذا المرض الخبيث قد التهم -فعلا- قطاعا واسعا ومهما من سلك القضاء السوري، ليس بسبب ضعف الحماية الموضوعية لضمائر القضاة وقيمهم في ظل تردي أجورهم ومستويات معيشتهم، وإنما بسبب تلك العلاقة الخاطئة والمرضية التي عرفتها بلادنا لعدة عقود خلت، بين القضاء والسياسة.

فحالة الطوارئ والأحكام العرفية السارية المفعول إلى يومنا هذا، تخضع السلك القضائي لسيطرة السلطات التنفيذية، فاسحة المجال -على طول الخط- لفرض الإرادة والمصالح السياسية على حساب الحق والقانون، وضاربة عرض الحائط بدور القضاء في تكريس قيم العدل والمساواة.

من المفيد في هذا الصدد استحضار حكاية تروى عن تشرشل -وكان رئيسا لوزراء بريطانيا وقتها- فبعد إطلاعه على محتوى تقرير يكشف مدى تفشي ظاهرة الفساد في بلاده تساءل عن حال المؤسسة القضائية من الفساد المستشري، فجاءته الإجابة أنه مازال بمنأى عن هذا المرض، عندها تنهد وقال "إن الأمور لا تزال بخير.. فكل شيء طالما القضاء معافى، من السهل معالجته وتصحيحه".

صحيح أن ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية تعاني منها كل البلدان حتى أكثرها شفافية وديمقراطية، لكن الصحيح أيضا أن هذا الداء متفاوت الحضور والانتشار بين بلد وآخر، حيث نلمسه في العديد من الدول المتطورة كظاهرة جزئية ومحدودة تطال بعض رموز النخب السياسية والمالية أساسا، كالفضائح التي أحاطت ببعض المسؤولين الحكوميين في أوروبا وأميركا نيكسون وميتران وكلينتون وغيرهم.

لكن على محدودية وضيق انتشار الفساد في مثل تلك البلدان، فإن الصحافة الحرة لا تلبث أن تكتشفه وتلاحقه أجهزة الرقابة ويخضع للمحاسبة أمام القضاء، كما ينبذه الرأي العام والضمير الحي كونه في نظر الثقافة الشعبية جزءا من القيم السلبية البغيضة والمرفوضة.

أما في مجتمعاتنا المتخلفة، وبشكل خاص تلك المجتمعات التي تغيب فيها الديمقراطية وسيادة القانون والصحافة الحرة، فإن الفساد يصبح مع الزمن حالة سياسية واجتماعية متفشية، وجزءا عضويا من تركيبة مؤسسات الدولة ومقومات بنائها، مهيئا تربة صالحة لنمو الروح الانتهازية وتسلل الشخصيات الفاسدة إلى مواقع القيادة والمناصب السياسية والإدارية.

فنجد أنفسنا كما لو أننا أمام شبكة مترامية الأطراف، لا هدف لها ولا غرض سوى تسخير الصلاحيات والمسؤوليات العامة في خدمة الامتيازات الخاصة والربح وسرقة المال العام، مستندة بذلك إلى غياب الحريات العامة وإلى تفشي روح وأساليب التسلط والقهر التي أقصت المواطن وحجبت دوره في المراقبة وفي كشف أشكال الفساد ومسلكيات المفسدين، وحتى شوهته أخلاقيا ودمرت قيمه الإنسانية أيضا.

ولا تفاجئك هذه الحقيقة فالاستبداد كما قال الكواكبي "يضطر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل ومراغمة الحس وإماتة النفس، وينتج من ذلك أنه يربي المجتمع على هذه الخصال".

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الفساد في سوريا ظاهرة سياسية بامتياز، ومعالجتها لن تكون مثمرة وناجحة إلا عندما تكون -أولا وأخيرا- معالجة سياسية، ما يعني أن حملات مكافحة الفساد مهما اشتدت هجماتها ومهما قست العقوبات الرادعة بحق الفاسدين والمفسدين، ليست أكثر من مسكنات ألم تخفف من آثار المرض ولا تعالج أسبابه.

وهي لن تؤتي أكلها، بل لن تجدي نفعا في حل هذه المعضلة حلا شاملا، واستئصال شأفة الفساد وجذوره الضاربة عميقا في المجتمع والدولة، طالما يتم التغاضي عن المناخ السياسي العام، مناخ الاستثناء والتسلط الذي نما الفساد فيه وترعرع ووصل إلى ما وصل إليه اليوم.

هذا الأمر يقودنا إلى تلمس الضرورة الملحة لرفع حالة الطوارئ وإعادة العلاقة الطبيعية بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، بما يفسح المجال لفصل القضاء عن المصالح السياسية، ويهيئ التربة المناسبة لنمو دور القضاة الطبيعي في تكريس سيادة القانون وقيم الحق والخير والعدل في المجتمع جنبا إلى جنب، مع ضرورة إشاعة الحريات العامة في البلاد، وبشكل خاص حرية انتخاب واختيار المرشحين الأكفاء والمنزهين عن الأغراض الشخصية للمناصب العامة.

وأيضا بمناخ الحريات يمكن منع السرية في تداول الوثائق والمستندات وضمان تدفق المعلومات والشفافية وكشف الغموض الذي يلف شبكات الصفقات المشبوهة. ثم مع حرية التعبير والرأي والنشاط السياسي يمكن إرجاع الناس للمشاركة في إدارة شؤونها العامة وتقوية المجتمع المدني وإحياء دوره في مراقبة أداء مؤسسات الدولة ومحاصرة أي سلوك لمسؤول أو ممارسة تتجاوز الصلاحيات العامة.

وثمة مؤشرات أظهرتها غير تجربة تدل على أن جهود بعض المنظمات غير الحكومية في رصد حالات الفساد والدفاع عن المجتمع إزاءها، أعطت نتائج مذهلة من حيث الإمكانية التحتية على فضح ممارسات الفاسدين وتعبئة الرأي العام لتنفيذ سياسات قوية لمكافحة الفساد.

وإذا كانت المعالجة السياسية الجذرية لظاهرة الفساد هدفا حيويا ومرجوا فأنه يبدو بعيد المنال في المدى المنظور، وبالتالي فإن أسلوب المحاسبة والمعاقبة لبعض الرموز الفاسدة -والتي تجري بين فترة وأخرى- يبقى قاصرا وعاجزا إذا لم يترافق مع إجراءات إسعافية فورية، تزداد إلحاحا يوما بعد يوم، تساعد على محاصرة بؤر الفساد وعزلها ما أمكن في جزر صغيرة، بما يخفف إلى الحد الأدنى من مخاطرها تجاه المجتمع والدولة.

مثل هذه الإجراءات الإسعافية ترتكز إلى ضرورة كف يد السلطة التنفيذية عن تسمية القضاة أو تعيينهم كما جرت العادة في سوريا منذ زمن طويل، وفسح المجال لانتخاب الهيئات القضائية على قاعدة الكفاءة المهنية والقانونية والسوية الأخلاقية، مع ضرورة توفير مستوى مادي لائق للقضاة يشكل حماية موضوعية لضمائرهم وقيمهم الإنسانية.

وجنبا إلى جنب تأتي ضرورة تحسين الوضع المادي لكافة العاملين في الدولة بما يوفر حدا من الأجور يتناسب ومستلزمات معيشتهم ومتطلبات الحياة الكريمة ويقيهم الانحرافات الأخلاقية التي يفرضها ضغط الحاجة ووطأة العوز.

إضافة إلى ذلك تقف في سلم الأوليات ضرورة تحرير الصحافة وإطلاق دورها دون حسيب أو رقيب، لنشر ثقافة النزاهة والضمير في مواجهة ثقافة الفساد وقيمه، ولتعرية ومطاردة كل مظاهره المكشوفة والمستترة مهما بدت صغيرة وتافهة، عساها تلبي دعاء المبتهلين "اللهم افضحنا ولا تسترنا حتى يتبين الخبيث من الطيب".

إلى أعلى

الإخوان المسلمون والمشاركة السياسية

الدكتور خالد الأحمد*

المشاركة السياسية عكسها الشمولية ، وبضدها تعرف الأشياء ، لذلك سنبدأ بالتعرف على الشمولية في الحكم .

الحكم الشمولي : هو أن يستلم حزب أو فئة معينة مقاليد الحكم ، بانقلاب عسكري غالباً ، يسيطر هذا الحزب على البلاد كلها ، وعلى دفـة الحكم والتخطيط والادارة والمـال ، ناهيك عن الجيش والقوات المسلحة ، والتربية والإعلام ... وأفضل مثال مافعله حزب البعث في سوريا منذ (8/3/1963) ... حيث صار مدير المدرسة بعثيـاً ، وهكذا وجدت عشرات المدار س الثانوية تسلم الإدارة فيها شاب تخرج منها قبل أربع سنوات فقط ، ثم حصل على الإجازة الجامعية ، وعين مديراً لهذه الثانوية ، ومدرسوه الذين علموه فيها خلال المرحلة الثانوية صاروا من مرؤوسيه ... لسبب واحد فقط وهو أنه بعثي ، وأنهم يكابرون ولم ينخرطوا في حزب البعث ... ولذلك وصل عدد البعثيين إلى ( 2) مليون كما يقولون ...

 

شمولية بعد الموت

واخترعت حالة جديدة من الشمولية لم يسبق لها مثيل في العالم على النحو التالي :

1-   احتكر حزب البعث السلطة ، من أصغر إدارة في الدولة إلى رئاسة الجمهورية ...

2-   في الخطوة الثانية سخر بعض العلويين لتنفيذ مخطط الحكم الشمولي ، وصار معظم القادة العسكريين ، والأمنيين ، من العلويين فقط .

3-   في المرحلة الثالثة انحصر الحكم الشمولي في أسـرة الأسـد ، وأقاربهم وأصهارهم ، وأزلامهم ..

4-   وفي الخطوة الأخيرة العجيبة ، امتدت الشمولية إلبى مابعد الموت ، فورث الحكم ، وانتقلت السلطة بالوراثة ، إلى الابن الذي لم يكن قد وصل إلى السن القانونية لاستلام الرئاسة ، وعندنئذ  جُمـع مجلس الشعب ـ على عجل ـ وخلال دقائق عُـدل الدستور ليصبح : رئيس الجمهورية يبلغ من العمر أربعاً وثلاثين سنة وأربعة شهور وأربعة عشر يوماً ....

هذا مثال واضح للحكم الشمولي ، الذي بدأ بالحزب ، وانتهى بأسرة حاكمة ، حصر السلطة والحكم والإدارة والمال بيدها وحدها ، مع أصهارها وأنسبائها فقط ...

 

الحكـم عندهـم غنيمـة :

وسبب ذلك أن هؤلاء القوم ينظرون إلى الحكم على أنه غـنـم ، مكاسب كبيرة جداً ، في الدنيا ، أما الآخرة فقد حذفت من حساباتهم ، أما في الدنيا فقد وصل دخل رامي مخلوف وشريكه( .... )  من شركة الخليوي إلى ( 2) مليون دولار يومياً ... ولم ولن يتمكن رامي مخلوف من امتلاك هذه الشركة لو لم يكن ( شريكه ) يملك القرار ، ويعطل حصول شركة أخرى منافسة لرامي مخلوف ، ويحرم خزينة الدولة من (700) مليون دولار ( على ذمة نائب رئيس الجمهورية السابق : السيد عبد الحليم خدام )   ..

 

الحكم عند الإسلاميين غـرم وليس غنمـاً

كانت فترة حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مزدهرة في تاريخ المسلمين ، وصل الأمر إلى أن يخصص راتب لكل مسلم في بيت المال ، حيث امتلأ بيت المال مرات عديدة بالأموال التي غنمها المسلمون خلال الفتوحات التي قضت على أكبر امبراطوريتين يومذاك ، وهم الفرس والروم . وفي كل مرة يوزعه عمر على المسلمين ...

وكان عمر رضي الله عنه مثالاً للحاكم العادل حتى لقب ( الفاروق ) ، ولما طعـن رضي الله عنه ،  وحضرته الوفاة اجتمع حوله كبار الصحابة ، وعرضوا عليه ترشيح ولـده عبدالله بن عمر رضي الله عنه ، للخلافة بعده ، وعبدالله معروف عنه الفقه والورع والتقوى وتقليد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر شؤون حياته ، ومع ذلك قال عمر رضي الله عنه وهو يرفض هذا الاقتراح :

ـ يكفي آل الخطاب أن يحمل واحد منهم وزر هذه الأمـة ...

وكان عمر رضي الله عنه يقول خلال صحته وقوته : لو أن شـاة عثرت على شاطئ الفرات خشيت أن يحاسبني الله عنها ؛ لِمَ لم أمهد لها الطريق ... وكان عمر يكرر القول : ليت التي ولدت عمر دفنته منذ الصغر ، ويقول حبذا لو خرجت منها ( الحكم ) ليس لي منها ولا علي منها شيء ...

هذا هو فقـه الإسلاميين نحو استلام الحكم ، والنصوص كثيرة التي تحث على عدم طلب الإمارة :

 

باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها

عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله r [ ياعبد الرحمن لاتسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ]([1]) . وفي رواية [ إنا والله لانولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه ] .

يقول النووي : ( قال العلماء والحكمة في أنه لايولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولاتكون معه إعانة كما صرح به ، وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئاً ولايولي غير الكفء ولأن فيه تهمة للطالب والحريص ) .

وفي صحيح البخاري وضع ابن حجر باباً سماه  : باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها

وأورد فيه الحديث السابق ، وباب آخر عنوانه : باب من سأل الإ مارة  وكل إليها ، وأورد فيه رواية من روايات الحديث السابق .

ويقول ابن حجر في الفتح ( كتاب الأحكام ) : ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصـه ، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه ، فيدخل فيه الإمارة والقضاء والحسبة ونحو ذلك ، وأن من حرص على ذلك لايعان ، ومن وكل إلى نفسـه هلك ، ومنه في الدعاء ( ولاتكلني إلى نفسي ) ومن لم يكن له عون من الله على عمله لايكون فيه كفاية لذلك العمل فلاينبغي أن يجاب سؤاله ، ومن المعلوم أن كل ولاية لاتخلو من المشقة فمن لم يكن له عون من الله تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه ، فمن كان ذاعقل لم يتعرض للطلب أصلاً ، بل إذا كان كافياً وأعطيها من غير مسـألة فقد وعده الصادق بالإعانة ، وجاء تفسـير ذلك عن أنس رفعه [ من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ] .

وينبني على هذا أنه لايجوز للمسلم أن يرشح نفسـه للعمل العام ( كالمجلس النيابي أو الوزارة وما شابهها ) ، وإنما الجماعة أو الجمعية أو الحزب أو أهل الحل والعقد أو بعضهم يرشحونه عندما يرون أنه كفء لذلك . 

 

 باب كراهة الإمارة بغير ضرورة

 عن أبي ذر t قال قلت يارسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال [ يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ] .

وفي رواية [ يا أباذر أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لاتأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ] .

يقول النووي ( هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية ، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها ، أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على مافرط ، وأما من كان أهـلاً لها وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة مثل [ سبعة يظلهم ...] [ ...والمقسطين على منابر من نور ..] ، وغير ذلك وإجماع المسلمين منعقد عليه ، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره r منها ، وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا ) .

وكان فقهاء الصحابة والتابعين يكرهون استلام الإمارة ... ويخافون من أن لايعانوا عليها فيهلكون فيها ...

 

فقـه الأخ محفوظ النحناح يرحمه الله :

لن يقبل الإخوان المسلمون في أي بلد عربي ، أن يحكموا البلد وحدهم ، بمفردهم ، لأنهم ينظرون إلى الحكم على أنه غـرم وليس غنماً ، لذلك يريدون أن يحمل هذا الغـرم كافة شرائح الأمة ، وهذا هو بيت القصيد :

لقد عرض العميد صدقي العطار عام (1962) أن يقوم بانقلاب عسكري ويسلم الحكم للإخوان المسلمين ، فرفض الأخ عصام العطار ذلك ، وأكد أن الإخوان ليسوا شموليين ، ولايمكن أن يسـتلموا الحكم بانقلاب عسكري ، ( كما فعل البعثيون بعد ذلك بأسـابيع ) .

وفي عدة بلدان عربية دخل الإخوان المسلمون الانتخابات بجـزء من طاقتهـم ، ولم يستخدموا طاقتهم كلها ، لأنهم يريدون المشاركة فقط ، ولايريدون الاستئثار بالحكم وحدهم . 

وفي التسعينات من القرن الماضي ترشح الأخ محفوظ النحناح أمير الإخوان المسلمين الجزائريين لانتخابات الرئاسة ضد الأمين زروال ، وقد سارع الإخوان في المشرق إلى انتقاده ، فكيف يحكم الجزائر ، التي تتكالب عليها أمريكا وفرنسا ، وسط معادلات معقدة مستحيلة الحـل .ويقول الإخوان الجزائريون أنـه لولا التزوير المؤكد لنجح محفوظ رئيساً للجزائر .

وشـاء الله أن ألقاه في موسم الحج ، ونقلت له ما قاله الإخوان في المشرق العربي ، وخلاصة ذلك عندما سألته بصراحة : ماذا كنت ستفعل لو نجحت في الانتخابات ، وأسندت لك رئاسة الجزائر !!!؟ كيف تحكم هذا البلد وسط معادلات مستحيلة الحل !!!؟

قال يرحمه الله :

المشكلة في عقولنا في العالم الثالث ، والعالم الإسلامي و العربي ، أننا لاننظر إلى الحكم إلا من زاويـة واحدة فقط ، وهو الحكم الشمولي ، أي أن الحاكم ، الفرد ، أو الحزب ، أو القبيلة ، يجب أن يكون وحده ، ولا أحد معـه . وسبب ذلك أن العالم الثالث ينظر إلى الحكم على أنه غنيمـة ، يريد أن يستأثر بها وحده ، أو حزبه ، أو قبيلته فقط . ولايسمح لأحد أن يسهم معـه في اقتسام هذه الغنيمـة .

أما نحن معشر الإسلاميين ، فالحكم عندنا مغرم وليس مغنماً  ، ومادام غرماً فلماذا نتحملـه وحدنا ، لماذا لايحمل معنا الآخرون ، وكما يقولون ( الحمل على المجموعة ريش ) أي خفيف .

لماذا لانوزعـه على الآخرين يحملونه معنا !!! لقد قررنا في الحركة الإسلامية الجزائرية في حالة استلام رئاسة الجمهورية تطبيق هذه الاستراتيجية ( المشاركة وليس الشمولية ) ، وقد أقرها التنظيم الدولي للإخوان منذ عهد قريب ، ولم تنتشر بعد في عقول أعضاء الإخوان ، وخاصة في المشرق . قررنا أن نوزع الحقائب الوزارية على القوى الوطنية الجزائرية ، ونشـارك معهم ، وهكذا نوزع الغرم على الجميع ، ونحن منهم ، وهذه هي ( المشاركة وليس الشمولية ) .

رحم الله الشيخ محفوظ ، وأدركت عندها أن عقولنا المشرقية مخربـة ، وقد حولنا الاستبداد إلى شعب أصم أبكم ، الحكم عندنا ماشاهدناه وما زلنا نشاهده منذ أن خلقنا الله ، حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع ، مدير المدرسة يجب أن يكون بعثياً ، ولو كان أساتذته الذين درسوه مازالوا مدرسين في هذه المدرسة . والجبهة الوطنية التقدمية لايحق لها العمل بين الطلاب والجيش ، ولايجوز لأي حزب ـ غير البعث ـ أن يعمل ويتكلم ويكتب و.... إلخ . هذه الشمولية التي جثمت على صدورنا وعقولنا وأكبادنا أكثر من أربعة عقود خربت عقولنا ، فلم نعـد نفهم الحكم إلا بصورته الشمولية فقط . ويتساءل الآن كثيرون كيف تستطيع المعارضة السورية تغيير النظام السوري ، لماذا يتساءلون لأنهم لم يروا في حياتهم كلها تغييراً للحكم إلا من وراء الدبابـة ، ثم البلاغ رقم (1) ، أما تغيير ديموقراطي ، فمازال هذا المصطلح غائماً في أذهاننا ، لأننا لم نره في بلادنا ، ولم نسمع عنه إلا في أوربا ( رومانيا ، روسيا ، ألمانيا ، الولايات المتحدة ، وغيرها )  .

وهذه حماس اليوم تعرض وتلح في عرضها على ( فتح ) أن تشاركها في تشكيل الحكومة ، مع أن عدد المقاعد التي فازت بها ( حماس ) تكفي لتشكل الحكومة وحدها ...

وفي الختـام : الإخوان المسلمون في سوريا ، وفي العالم العربي ، وأينما كانوا ، إسلامية  وطنية أصيلة ، تهمها مصلحة الشعب كافة ، بجميع أطيافه وفئاته وطوائفه ، وأعراقـه ، هكذا كانوا في ماضيهم ، وهاهم يؤكدون هذه المعاني في حاضرهم اليوم . ولم يطلب منا ولامن غيرنا أن نشق عن قلوب الناس حتى نصدقهم ، نترك لهم الفرصة للعمل ، والواقـع هو الذي يصدق أو يكذب مايقولون ، ونكرر لايريدون الاستئثار بالسلطة بل المشاركة فقط . وقد أكد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين هذا المبدأ منذ منتصف التسعينات ، عندما أصدر المشروع السياسي ، وأكد الإخوان المسلمون السوريون هذا المبدأ في مشروعهم السياسي (2004) .

والحمد لله رب العالمين .

--------------

 [1] ـ وأخرجه البخاري في الأحكام في عدة مواضع في كتاب الأحكام .

*كاتب سوري في المنفى

مركز الشرق العربي 20-03-2006 إلى أعلى

 

 
 
 

 

جميع الحقوق محفوظة  © 2006  لموقع بانوراما سورية